للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي خُمُسِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ: أَعْطَى عُثْمَانُ خُمُسَ إِفْرِيقِيَّةَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَعْطَاهُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ. وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُ أَعْطَى عَبْدَ اللَّهِ خُمُسَ الْغَزْوَةِ الْأُولَى، وَأَعْطَى مَرْوَانَ خُمُسَ الْغَزْوَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي افْتُتِحَتْ فِيهَا جَمِيعُ إِفْرِيقِيَّةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ذكر انْتِقَاضِ إِفْرِيقِيَّةَ وَفَتْحِهَا ثَانِيَةً

كَانَ هِرَقْلُ مَلِكُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ يُؤَدِّي إِلَيْهِ كُلُّ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ النَّصَارَى الْخَرَاجَ، فَهُمْ مِنْ مِصْرَ وَإِفْرِيقِيَّةَ وَالْأَنْدَلُسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَمَّا صَالَحَ أَهْلُ إِفْرِيقِيَّةَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ أَرْسَلَ هِرَقْلُ إِلَى أَهْلِهَا بِطْرِيقًا لَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ مِثْلَ مَا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ، فَنَزَلَ الْبِطْرِيقُ فِي قَرْطَاجَنَّةَ، وَجَمَعَ أَهْلَ إِفْرِيقِيَّةَ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا أَمَرَهُ الْمَلِكُ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: نَحْنُ نُؤَدِّي مَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنَّا، وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُسَامِحَنَا لِمَا نَالَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَّا. وَكَانَ قَدْ قَامَ بِأَمْرِ إِفْرِيقِيَّةَ بَعْدَ قَتْلِ جُرْجِيرَ رَجُلٌ آخَرُ مِنَ الرُّومِ، فَطَرَدَهُ الْبِطْرِيقُ. بَعْدَ فِتَنٍ كَثِيرَةٍ، فَسَارَ إِلَى الشَّامِ وَبِهِ مُعَاوِيَةُ وَقَدِ اسْتَقَرَّ لَهُ الْأَمْرُ بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ، فَوَصَفَ لَهُ إِفْرِيقِيَّةَ وَطَلَبَ أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ جَيْشًا، فَسَيَّرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ مُعَاوِيَةَ بْنَ حُدَيْجٍ السَّكُونِيَّ. فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ هَلَكَ الرُّومِيُّ، وَمَضَى ابْنُ حُدَيْجٍ فَوَصَلَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ وَهِيَ نَارٌ تَضْطَرِمُ، وَكَانَ مَعَهُ عَسْكَرٌ عَظِيمٌ، فَنَزَلَ عِنْدَ قَمُونِيَّةَ، وَأَرْسَلَ الْبِطْرِيقُ إِلَيْهِ ثَلَاثِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ. فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ مُعَاوِيَةُ سَيَّرَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَاتَلُوهُمْ، فَانْهَزَمَتِ الرُّومُ، وَحَصَرَ حِصْنَ جَلُولَاءَ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَانْهَدَمَ سُورُ الْحِصْنِ، فَمَلَكَهُ الْمُسْلِمُونَ وَغَنِمُوا مَا فِيهِ، وَبَثَّ السَّرَايَا، فَسَكَنَ النَّاسُ وَأَطَاعُوا، وَعَادَ إِلَى مِصْرَ.

(حُدَيْجٌ: بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرُهُ جِيمٌ) .

ثُمَّ لَمْ يَزَلْ أَهْلُ إِفْرِيقِيَّةَ مِنْ أَطْوَعِ أَهْلِ الْبُلْدَانِ وَأَسْمَعِهِمْ، إِلَى زَمَانِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَتَّى دَبَّ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَاسْتَثَارُوهُمْ، فَشَقُّوا الْعَصَا، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمْ إِلَى الْيَوْمِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: لَا نُخَالِفُ الْأَئِمَّةَ بِمَا تَجْنِي الْعُمَّالُ. فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّمَا يَعْمَلُ هَؤُلَاءِ بِأَمْرِ أُولَئِكَ. فَقَالُوا: حَتَّى نُخْبِرَهُمْ، فَخَرَجَ مَيْسَرَةُ فِي بِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا، فَقَدِمُوا عَلَى هِشَامٍ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ، فَدَخَلُوا عَلَى الْأَبْرَشِ فَقَالُوا: أَبْلِغْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَمِيرَنَا يَغْزُو بِنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>