فَخَافَهُ أَهْلُ مَرْوَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَأَرْسَلُوا إِلَى التُّرْكِ يَسْتَنْصِرُونَهُمْ عَلَيْهِ، فَأَتَوْهُ فَبَيَّتُوهُ، فَقَتَلُوا أَصْحَابَهُ، فَهَرَبَ يَزْدَجِرْدُ مَاشِيًا إِلَى شَطِّ الْمَرْغَابِ، فَأَوَى إِلَى بَيْتِ رَجُلٍ يَنْقُرُ الْأَرْحَاءَ، فَلَمَّا نَامَ قَتَلَهُ. وَقِيلَ: بَلْ بَيَّتَهُ أَهْلُ مَرْوَ، وَلَمْ يَسْتَنْصِرُوا بِالتُّرْكِ، فَقَتَلُوا أَصْحَابَهُ وَهَرَبَ مِنْهُمْ، فَقَتَلَهُ النَّقَّارُ، وَتَبِعُوا أَثَرَهُ إِلَى بَيْتِ الَّذِي يَنْقُرُ الْأَرْحَاءَ، فَأَخَذُوهُ وَضَرَبُوهُ، فَأَقَرَّ بِقَتْلِهِ فَقَتَلُوهُ وَأَهْلَهُ.
وَكَانَ يَزْدَجِرْدُ قَدْ وَطِئَ امْرَأَةً بِهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا ذَاهِبَ الشِّقِّ، وَلَدَتْهُ بَعْدَ قَتْلِهِ فَسُمِّيَ الْمُخْدَجُ، فَوُلِدَ لَهُ أَوْلَادٌ بِخُرَاسَانَ، فَوَجَدَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ حِينَ افْتَتَحَ الصُّغْدَ وَغَيْرَهَا جَارِيَتَيْنِ مِنْ وَلَدِ الْمُخْدَجِ، فَبَعَثَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا إِلَى الْحَجَّاجِ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَوَلَدَتْ لِلْوَلِيدِ يَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ النَّاقِصَ. وَأُخْرِجَ يَزْدَجِرْدُ مِنَ النَّهْرِ فِي تَابُوتٍ وَحُمِلَ إِلَى إِصْطَخْرَ فَوُضِعَ فِي نَاوُوسٍ هُنَاكَ.
وَقِيلَ: إِنَّ يَزْدَجِرْدَ هَرَبَ بَعْدَ وَقْعَةِ نَهَاوَنْدَ إِلَى أَرْضِ أَصْبَهَانَ، وَبِهَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مِطْيَارُ كَانَ قَدْ أَصَابَ مِنَ الْعَرَبِ شَيْئًا يَسِيرًا، فَصَارَ لَهُ بِهَا مَحَلٌّ كَبِيرٌ، فَأَتَى مِطْيَارٌ يَزْدَجِرْدَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَحَجَبَهُ بَوَّابُهُ لِيَسْتَأْذِنَ لَهُ، فَضَرَبَهُ وَشَجَّهُ، فَدَخَلَ الْبَوَّابُ عَلَى يَزْدَجِرْدَ مُدْمًى، فَرَحَلَ عَنْ أَصْبَهَانَ مِنْ سَاعَتِهِ فَأَتَى الرَّيَّ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ صَاحِبُ طَبَرِسْتَانَ وَعَرَضَ عَلَيْهِ بِلَادَهُ وَأَخْبَرَهُ بِحَصَانَتِهَا، فَلَمْ يُجِبْهُ.
وَقِيلَ: مَضَى مِنْ فَوْرِهِ ذَلِكَ إِلَى سِجِسْتَانَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى مَرْوَ فِي أَلْفِ فَارِسٍ، وَقِيلَ: بَلْ قَصَدَ فَارِسَ فَأَقَامَ بِهَا أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ أَتَى كَرْمَانَ فَأَقَامَ بِهَا سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَطَلَبَ إِلَيْهِ دِهْقَانُهُ شَيْئًا، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَجَرَّهُ بِرِجْلِهِ وَطَرَدَهُ عَنْ بِلَادِهِ، فَسَارَ إِلَى سِجِسْتَانَ فَأَقَامَ بِهَا نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ، ثُمَّ عَزَمَ عَلَى قَصْدِ خُرَاسَانَ لِيَجْمَعَ الْجُمُوعَ وَيَسِيرَ بِهِمْ إِلَى الْعَرَبِ، فَسَارَ إِلَى مَرْوَ وَمَعَهُ الرَّهْنُ مِنْ أَوْلَادِ الدَّهَاقِينِ وَمَعَهُ فَرُّخَزَادُ. فَلَمَّا قَدِمَ مَرْوَ كَاتَبَ مُلُوكَ الصِّينِ وَمَلِكَ فَرْغَانَةَ وَمَلِكَ كَابُلَ وَمَلِكَ الْخَزَرِ يَسْتَمِدُّهُمْ، وَكَانَ الدِّهْقَانَ يَوْمَئِذٍ بِمَرْوَ مَاهَوَيْهِ أَبُو بَرَازَ، فَوَكَّلَ مَاهَوَيْهِ بِمَرْوَ ابْنَهُ بَرَازَ لِيَحْفَظَهَا، وَيَمْنَعَ عَنْهَا يَزْدَجِرْدَ خَوْفًا مِنْ مَكْرَهٍ، فَرَكِبَ يَزْدَجِرْدُ يَوْمًا وَطَافَ بِالْمَدِينَةِ، وَأَرَادَ دُخُولَهَا مِنْ بَعْضِ أَبْوَابِهَا، فَمَنَعَهُ بَرَازُ، فَصَاحَ بِهِ أَبُوهُ لِيَفْتَحَ الْبَابَ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَبُوهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ، فَفَطِنَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute