للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ يَزْدَجِرْدَ، فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ وَاسْتَأْذَنَهُ فِي قَتْلِهِ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ.

وَقِيلَ: أَرَادَ يَزْدَجِرْدُ صَرْفَ الدَّهْقَنَةِ عَنْ مَاهَوَيْهِ إِلَى سَنْجَانَ ابْنِ أَخِيهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَاهَوَيْهِ، فَعَمِلَ فِي هَلَاكِ يَزْدَجِرْدَ، فَكَتَبَ إِلَى نَيْزَكِ طَرْخَانَ يَدْعُوهُ إِلَى الْقُدُومِ عَلَيْهِ ; لِيَتَّفِقَا عَلَى قَتْلِهِ وَمُصَالَحَةِ الْعَرَبِ عَلَيْهِ، وَضَمِنَ لَهُ إِنْ فَعَلَ أَنْ يُعْطِيَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ. فَكَتَبَ نَيْزَكُ إِلَى يَزْدَجِرْدَ يَعِدَهُ الْمُسَاعَدَةَ عَلَى الْعَرَبِ، وَأَنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ إِنْ أَبْعَدَ عَسْكَرَهُ وَفَرُّخَزَادَ عَنْهُ. فَاسْتَشَارَ يَزْدَجِرْدُ أَصْحَابَهُ فَقَالَ لَهُ سَنْجَانُ: لَسْتُ أَرَى أَنْ تُبْعِدَ عَنْكَ أَصْحَابَكَ وَفَرُّخَزَادَ. وَقَالَ أَبُو بَرَازَ: أَرَى أَنْ تَتَأَلَّفَ نَيْزَكَ وَتُجِيبَهُ إِلَى مَا سَأَلَ. فَقَبِلَ رَأْيَهُ وَفَرَّقَ عَنْهُ جُنْدَهُ، فَصَاحَ فَرُّخَزَادُ وَشَقَّ جَيْبَهُ وَقَالَ: أَظُنُّكُمْ قَاتِلِي هَذَا! وَلَمْ يَبْرَحْ فَرُّخَزَادُ حَتَّى كَتَبَ لَهُ يَزْدَجِرْدُ بِخَطِّ يَدِهِ أَنَّهُ آمِنٌ وَأَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ يَزْدَجِرْدَ وَأَهْلَهُ وَمَا مَعَهُ إِلَى مَاهَوَيْهِ، وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ. وَأَقْبَلَ نَيْزَكُ فَلَقِيَهُ يَزْدَجِرْدُ بِالْمَزَامِيرِ وَالْمَلَاهِي، أَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَبُو بَرَازَ، فَلَمَّا لَقِيَهُ تَأَخَّرَ عَنْهُ أَبُو بَرَازَ فَاسْتَقْبَلَهُ نَيْزَكُ مَاشِيًا، فَأَمَرَ لَهُ يَزْدَجِرْدُ بِجَنِيبَةٍ مِنْ جَنَائِبِهِ، فَرَكِبَهَا، فَلَمَّا تَوَسَّطَ عَسْكَرَهُ تَوَاقَفَا، فَقَالَ لَهُ نَيْزَكُ فِيمَا يَقُولُ: زَوِّجْنِي إِحْدَى بَنَاتِكَ حَتَّى أُنَاصِحَكَ فِي قِتَالِ عَدُوِّكَ. فَسَبَّهُ يَزْدَجِرْدُ، فَضَرَبَهُ نَيْزَكُ بِمِقْرَعَتِهِ، وَصَاحَ يَزْدَجِرْدُ، وَرَكَضَ مُنْهَزِمًا. وَقَتَلَ أَصْحَابُ نَيْزَكَ أَصْحَابَ يَزْدَجِرْدَ، وَانْتَهَى يَزْدَجِرْدُ إِلَى بَيْتِ طَحَّانٍ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَأْكُلْ طَعَامًا. فَقَالَ لَهُ الطَّحَّانُ: اخْرُجْ أَيُّهَا الشَّقِيُّ فَكُلْ طَعَامًا فَقَدْ جُعْتَ! فَقَالَ: لَسْتُ أَصِلُ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِزَمْزَمَةٍ، وَكَانَ عِنْدَ الطَّحَّانِ رَجُلٌ يُزَمْزِمُ، فَكَلَّمَهُ الطَّحَّانُ فِي ذَلِكَ فَفَعَلَ وَزَمْزَمَ لَهُ فَأَكَلَ. فَلَمَّا رَجَعَ الْمُزَمْزِمُ سَمِعَ بِذِكْرِ يَزْدَجِرْدَ، فَسَأَلَ عَنْ حِلْيَتِهِ، فَوَصَفُوهُ لَهُ، فَأَخْبَرَهُمْ بِهِ وَبِحِلْيَتِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو بَرَازَ رَجُلًا مِنَ الْأَسَاوِرَةِ، وَأَمَرَهُ بِخَنْقِهِ وَإِلْقَائِهِ فِي النَّهْرِ، وَأَتَى الطَّحَّانَ فَضَرَبَهُ لِيَدُلَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ وَجَحَدَهُ. فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ عَنْهُ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ مِسْكٍ ; وَنَظَرَ إِلَى طَرَفِ ثَوْبِهِ مِنْ دِيبَاجٍ فِي الْمَاءِ، فَجَذَبَهُ فَإِذَا هُوَ يَزْدَجِرْدُ، فَسَأَلَهُ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ وَلَا يَدُلَّ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ لَهُ خَاتَمَهُ وَمِنْطَقَتَهُ وَسِوَارَهُ. فَقَالَ لَهُ: أَعْطِنِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَأُخَلِّي عَنْكَ، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَقَالَ: إِنَّ خَاتَمِي لَا يُحْصَى ثَمَنُهُ فَخُذْهُ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ يَزْدَجِرْدُ: قَدْ كُنْتُ أُخْبَرُ أَنِّي سَأَحْتَاجُ إِلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ، ثُمَّ نَزَعَ أَحَدَ قُرْطَيْهِ، فَأَعْطَاهُ الطَّحَّانَ لِيَسْتُرَ عَلَيْهِ، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! إِنَّا نَجِدُ فِي كُتُبِنَا أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ الْمُلُوكَ عَاقَبَهُ اللَّهُ بِالْحَرِيقِ فِي الدُّنْيَا، فَلَا تَقْتُلُونِي وَاحْمِلُونِي إِلَى الدِّهْقَانِ أَوْ إِلَى الْعَرَبِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَبْقُونَ مِثْلِي! فَأَخَذُوا مَا عَلَيْهِ وَخَنَقُوهُ بِوَتَرِ الْقَوْسِ وَأَلْقَوْهُ فِي الْمَاءِ، فَأَخَذَهُ أَسْقُفُّ مَرْوَ وَجَعَلَهُ فِي تَابُوتٍ وَدَفَنَهُ. وَسَأَلَ أَبُو

<<  <  ج: ص:  >  >>