بَرَازَ عَنْ أَحَدِ الْقُرْطَيْنِ، وَأَخَذَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ حَتَّى أَتَى عَلَى نَفْسِهِ.
وَقِيلَ: بَلْ سَارَ يَزْدَجِرْدُ مِنْ كَرْمَانَ قَبْلَ وُرُودِ الْعَرَبِ إِلَيْهَا نَحْوَ مَرْوَ عَلَى الطَّبَسَيْنِ وَقُوهِسْتَانَ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَلَمَّا قَارَبَ مَرْوَ لَقِيَهُ قَائِدَانِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا بَرَازُ، وَلِلْآخَرِ سَنْجَانَ وَكَانَا مُتَبَاغِضَيْنِ، فَسَعَى بَرَازُ بِسَنْجَانَ حَتَّى هَمَّ يَزْدَجِرْدُ بِقَتْلِهِ، وَأَفْشَى ذَلِكَ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، فَفَشَا الْحَدِيثُ، فَجَمَعَ سَنْجَانُ أَصْحَابَهُ، وَقَصَدَ قَصْرَ يَزْدَجِرْدَ، فَهَرَبَ بَرَازُ وَخَافَ يَزْدَجِرْدُ فَهَرَبَ أَيْضًا إِلَى رَحَى عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ مَرْوَ، فَدَخَلَ بَيْتَ نَقَّارِ الرَّحَى، فَأَطْعَمَهُ الطَّحَّانُ، فَطَلَبَ مِنْهُ شَيْئًا فَأَعْطَاهُ مِنْطَقَتَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَكْفِينِي أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ، ثُمَّ نَامَ يَزْدَجِرْدُ فَقَتَلَهُ الطَّحَّانُ بِفَأْسٍ كَانَتْ مَعَهُ، وَأَخَذَ مَا عَلَيْهِ وَأَلْقَى جُثَّتَهُ فِي الْمَاءِ وَشَقَّ بَطْنَهُ وَثَقَّلَهُ.
وَسَمِعَ بِقَتْلِهِ مُطْرَانٌ كَانَ بِمَرْوَ، فَجَمَعَ النَّصَارَى وَقَالَ: قُتِلَ ابْنُ شَهْرَيَارَ، وَإِنَّمَا شَهْرَيَارُ ابْنُ شِيرِينَ الْمُؤْمِنَةِ الَّتِي قَدْ عَرَفْتُمْ حَقَّهَا وَإِحْسَانَهَا إِلَى أَهْلِ مِلَّتِنَا، مَعَ مَا نَالَ النَّصَارَى فِي مُلْكِ جَدِّهِ أَنُوشِرْوَانَ مِنَ الشَّرَفِ، فَيَنْبَغِي أَنْ نَحْزَنَ لِقَتْلِهِ وَنَبْنِيَ لَهُ نَاوُوسًا، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ وَبَنَوْا لَهُ نَاوُوسًا وَأَخْرَجُوا جُثَّتَهُ وَكَفَّنُوهَا وَدَفَنُوهَا فِي النَّاوُوسِ.
وَكَانَ مُلْكُهُ عِشْرِينَ سَنَةً، مِنْهَا أَرْبَعُ سِنِينَ فِي دَعَةٍ، وَسِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً فِي تَعَبٍ مِنْ مُحَارَبَةِ الْعَرَبِ إِيَّاهُ وَغِلْظَتِهِمْ عَلَيْهِ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ مَلَكَ مِنْ آلِ أَرْدِشِيرَ بْنِ بَابَكَ وَصَفَا الْمُلْكُ بَعْدَهُ لِلْعَرَبِ.
ذكر مَسِيرِ ابْنِ عَامِرٍ إِلَى خُرَاسَانَ وَفَتْحِهَا
لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نَقَضَ أَهْلُ خُرَاسَانَ وَغَدَرُوا. فَلَمَّا افْتَتَحَ ابْنُ عَامِرٍ فَارِسَ قَامَ إِلَيْهِ حَبِيبُ بْنُ أَوْسٍ التَّمِيمِيُّ فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيلُ، فَسِرْ فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكَ. قَالَ: أَوَلَمْ نُأْمَرْ بِالْمَسِيرِ؟ وَكَرِهَ أَنْ يُظْهِرَ أَنَّهُ قَبِلَ رَأْيَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ ابْنَ عَامِرٍ لَمَّا فَتَحَ فَارِسَ عَادَ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى إِصْطَخْرَ شَرِيكَ بْنَ الْأَعْوَرِ الْحَارِثِيَّ، فَبَنَى شَرِيكٌ مَسْجِدَ إِصْطَخْرَ. فَلَمَّا دَخَلَ الْبَصْرَةَ أَتَاهُ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، وَقِيلَ غَيْرُهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ عَدُوَّكَ مِنْكَ هَارِبٌ، وَلَكَ هَائِبٌ، وَالْبِلَادُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute