للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْمُسْلِمِينَ بِأَمْرِ عُثْمَانَ، فَلَمَّا لَقُوهُ نَجَوْا مَعَهُ، وَفِرْقَةً نَحْوَ جِيلَانَ وَجُرْجَانَ، فِيهِمْ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْعَسْكَرِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيُّ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَمِعْضَدٌ الشَّيْبَانِيُّ، وَأَبُو مُفْرَزٍ التَّمِيمِيُّ فِي خِبَاءٍ وَاحِدٍ، وَعَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ، وَخَالِدُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْحِلْحَالُ بْنُ ذَرِيٍّ، وَالْقَرْثَعُ فِي خِبَاءٍ، فَكَانُوا مُتَجَاوِرِينَ فِي ذَلِكَ الْعَسْكَرِ، وَكَانَ الْقَرْثَعُ يَقُولُ: مَا أَحْسَنَ لَمْعَ الدِّمَاءِ عَلَى الثِّيَابِ! وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ يَقُولُ لِقَبَاءٍ عَلَيْهِ: مَا أَحْسَنَ حُمْرَةَ الدِّمَاءِ عَلَى بَيَاضِكَ!

وَرَأَى يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَّ غَزَالًا جِيءَ بِهِ لَمْ يُرَ أَحْسَنَ مِنْهُ فَلُفَّ فِي مِلْحَفَةٍ، ثُمَّ دُفِنَ فِي قَبْرٍ لَمْ يُرَ أَحْسَنَ مِنْهُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قُعُودٌ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ وَاقْتَتَلَ النَّاسُ رُمِيَ بِحَجَرٍ فَهَشَّمَ رَأْسَهُ فَمَاتَ، فَكَأَنَّمَا زُيِّنَ ثَوْبُهُ بِالدِّمَاءِ وَلَيْسَ بِتَلْطِيخٍ، فَدُفِنَ فِي قَبْرٍ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي رَأَى.

وَقَالَ مِعْضَدٌ لِعَلْقَمَةَ: أَعِرْنِي بُرْدَكَ أَعْصِبُ بِهِ رَأْسِي، فَفَعَلَ، فَأَتَى بُرْجَ بَلَنْجَرَ الَّذِي أُصِيبَ فِيهِ يَزِيدُ فَرَمَاهُمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ، وَأَتَاهُ حَجَرُ عَرَّادَةٍ فَفَضَخَ هَامَتَهُ، فَأَخَذَهُ أَصْحَابُهُ فَدَفَنُوهُ إِلَى جَنْبِ يَزِيدَ، وَأَخَذَ عَلْقَمَةُ الْبُرْدَ، فَكَانَ يَغْسِلُهُ فَلَا يَخْرُجُ أَثَرُ الدَّمِ مِنْهُ، وَكَانَ يَشْهَدُ فِيهِ الْجُمُعَةَ وَيَقُولُ: يَحْمِلُنِي عَلَى هَذَا أَنَّ دَمَ مِعْضَدٍ فِيهِ. وَأَصَابَ عَمْرَو بْنَ عُتْبَةَ جِرَاحَةٌ فَرَأَى قِبَاءَهُ كَمَا اشْتَهَى ثُمَّ قُتِلَ. وَأَمَّا الْقَرْثَعُ فَإِنَّهُ قَاتَلَ حَتَّى خُرِقَ بِالْحِرَابِ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ عُثْمَانَ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ، انْتَكَثَ أَهْلُ الْكُوفَةِ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِمْ وَأَقْبِلْ بِهِمْ!

وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ كَتَبَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنْ يُنْفِذَ سَلْمَانَ إِلَى الْبَابِ لِلْغَزْوِ، فَسَيَّرَهُ فَلَقِيَ الْمَهْزُومِينَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَنَجَّاهُمُ اللَّهُ بِهِ. فَلَمَّا أُصِيبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ اسْتَعْمَلَ سَعِيدٌ سَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ عَلَى الْبَابِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْغَزْوِ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، وَمَدَّهُمْ عُثْمَانُ بِأَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَتَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ سَلْمَانُ وَأَبُو حَبِيبٍ حَتَّى قَالَ أَهْلُ الشَّامِ: لَقَدْ هَمَمْنَا بِضَرْبِ سَلْمَانَ. فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِذَنْ وَاللَّهِ نَضْرِبُ حَبِيبًا وَنَحْبِسُهُ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ كَثُرَتِ الْقَتْلَى فِينَا وَفِيكُمْ، وَقَالَ أَوْسُ بْنُ مَغْرَاءَ فِي ذَلِكَ:

إِنْ تَضْرِبُوا سَلْمَانَ نَضْرِبْ حَبِيبَكُمْ ... وَإِنْ تَرْحَلُوا نَحْوَ ابْنِ عَفَّانَ نَرْحَلُ

وَإِنْ تُقْسِطُوا فَالثَّغْرُ ثَغْرُ أَمِيرِنَا ... وَهَذَا أَمِيرٌ فِي الْكَتَائِبِ مُقْبِلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>