فَدَخَلُوا عَلَيْهِ يَوْمًا، فَبَيْنَا هُمْ يَتَحَدَّثُونَ قَالَ حُبَيْشُ بْنُ فُلَانٍ الْأَسَدِيُّ: مَا أَجْوَدَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ! فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ مَنْ لَهُ مِثْلُ النَّشَاسْتَجِ لَحَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ جَوَادًا، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَهُ لَأَعَاشَكُمُ اللَّهُ بِهِ عَيْشًا رَغَدًا. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُبَيْشٍ، وَهُوَ حَدَثٌ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ هَذَا الْمِلْطَاطَ لَكَ، يَعْنِي لِسَعِيدٍ، وَهُوَ مَا كَانَ لِلْأَكَاسِرَةِ عَلَى جَانِبِ الْفُرَاتِ الَّذِي يَلِي الْكُوفَةَ. قَالُوا: فَضَّ اللَّهُ فَاكَ! وَاللَّهِ لَقَدْ هَمَمْنَا بِكَ! فَقَالَ أَبُوهُ: غُلَامٌ فَلَا تَجَاوَزُهُ. فَقَالُوا: يَتَمَنَّى لَهُ سَوَادَنَا. قَالَ: وَيَتَمَنَّى لَكُمْ أَضْعَافَهُ، فَثَارَ بِهِ الْأَشْتَرُ، وَجُنْدَبٌ، وَابْنُ ذِي الْحِنْكَةِ، وَصَعْصَعَةُ، وَابْنُ الْكَوَّاءِ، وَكُمَيْلٌ، وَعُمَيْرُ بْنُ ضَابِئٍ فَأَخَذُوهُ، فَثَارَ أَبُوهُ لِيَمْنَعَ عَنْهُ، فَضَرَبُوهُمَا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِمَا، وَجَعَلَ سَعِيدٌ يُنَاشِدُهُمْ وَيَأْبَوْنَ حَتَّى قَضَوْا مِنْهُمَا وَطَرًا. فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ بَنُو أَسَدٍ فَجَاءُوا وَفِيهِمْ طُلَيْحَةُ، فَأَحَاطُوا بِالْقَصْرِ، وَرَكِبَتِ الْقَبَائِلُ فَعَاذُوا بِسَعِيدٍ، فَخَرَجَ سَعِيدٌ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَوْمٌ تَنَازَعُوا وَقَدْ رَزَقَ اللَّهُ الْعَافِيَةَ، فَرَدَّهُمْ فَتَرَاجَعُوا. وَأَفَاقَ الرَّجُلَانِ فَقَالَا: قَاتَلَنَا غَاشِيَتُكَ. فَقَالَ: لَا يَغْشَوْنِي أَبَدًا، فَكُفَّا أَلْسِنَتَكُمَا وَلَا تُحَزِّبَا النَّاسَ. فَفَعَلَا، وَقَعَدَ أُولَئِكَ النَّفَرُ فِي بُيُوتِهِمْ وَأَقْبَلُوا يَقَعُونَ فِي عُثْمَانَ.
وَقِيلَ: بَلْ كَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَسْمُرُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وُجُوهُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، مِنْهُمْ: مَالِكُ بْنُ كَعْبٍ الْأَرْحَبِيُّ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ النَّخَعِيَّانِ، وَمَالِكٌ الْأَشْتَرُ، وَغَيْرُهُمْ، فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّمَا هَذَا السَّوَادُ بُسْتَانُ قُرَيْشٍ. فَقَالَ الْأَشْتَرُ: أَتَزْعُمُ أَنَّ السَّوَادَ الَّذِي أَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا بِأَسْيَافِنَا بُسْتَانٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ؟ وَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ مَعَهُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَسَدِيُّ، وَكَانَ عَلَى شُرْطَةِ سَعِيدٍ: أَتَرُدُّونَ عَلَى الْأَمِيرِ مَقَالَتَهُ؟ وَأَغْلَظَ لَهُمْ. فَقَالَ الْأَشْتَرُ: مَنْ هَاهُنَا؟ لَا يَفُوتَنَّكُمُ الرَّجُلُ! فَوَثَبُوا عَلَيْهِ فَوَطِئُوهُ وَطْأً شَدِيدًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جُرَّ بِرِجْلِهِ، فَنُضِحَ بِمَاءٍ فَأَفَاقَ فَقَالَ: قَتَلَنِي مَنِ انْتَخَبْتُ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَسْمُرُ عِنْدِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute