إِلَى الْجَزِيرَةِ، فَسَمِعَ بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَكَانَ عَلَى حِمْصَ، فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: يَا آلَةَ الشَّيْطَانِ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ وَلَا أَهْلًا، قَدْ رَجَعَ الشَّيْطَانُ مَحْسُورًا وَأَنْتُمْ بَعْدُ نِشَاطٌ، خَسَّرَ اللَّهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِنْ لَمْ يُؤَدِّبْكُمْ، يَا مَعْشَرَ مَنْ لَا أَدْرِي أَعَرَبٌ هُمْ أَمْ عَجَمٌ، لَا تَقُولُوا لِي مَا بَلَغَنِي أَنَّكُمْ قُلْتُمْ لِمُعَاوِيَةَ، أَنَا ابْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، أَنَا ابْنُ مَنْ قَدْ عَجَمَتْهُ الْعَاجِمَاتُ، أَنَا ابْنُ فَاقِئِ الرِّدَّةِ! وَاللَّهِ لَئِنْ بَلَغَنِي يَا صَعْصَعَةُ أَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ مَعِي دَقَّ أَنْفَكَ ثُمَّ أَمَصَّكَ لَأَطِيرَنَّ بِكَ طَيْرَةً بَعِيدَةَ الْمَهْوَى! فَأَقَامَهُمْ شَهْرًا كُلَّمَا رَكِبَ أَمْشَاهُمْ، فَإِذَا مَرَّ بِهِ صَعْصَعَةُ قَالَ: يَا ابْنَ الْحُطَيْئَةِ، أَعَلِمْتَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصْلِحْهُ الْخَيْرُ أَصْلَحَهُ الشَّرُّ؟ مَا لَكَ لَا تَقُولُ كَمَا بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ لِسَعِيدٍ وَمُعَاوِيَةَ؟ فَيَقُولُونَ: نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ، أَقِلْنَا أَقَالَكَ اللَّهُ. فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى قَالَ: تَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. وَسَرَّحَ الْأَشْتَرَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَدِمَ إِلَيْهِ ثَانِيًا، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: احْلُلْ حَيْثُ شِئْتَ. فَقَالَ: مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ. فَقَالَ: ذَلِكَ إِلَيْكَ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ.
قِيلَ: وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ، وَزَادُوا فِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا عَادَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْقَابِلَةِ وَذَكَّرَهُمْ كَانَ مِمَّا قَالَ لَهُمْ: وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا آمُرُكُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا وَقَدْ بَدَأْتُ فِيهِ بِنَفْسِي وَأَهْلِ بَيْتِي، وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ أَكْرَمَهَا وَابْنَ أَكْرَمِهَا إِلَّا مَا جَعَلَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ انْتَخَبَهُ وَأَكْرَمَهُ، وَإِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَوْ وَلَدَ النَّاسَ لَمْ يَلِدْ إِلَّا حَازِمًا. قَالَ صَعْصَعَةُ: قَدْ كَذَبْتَ! قَدْ وَلَدَهُمْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَهُ، وَكَانَ فِيهِمُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَالْأَحْمَقُ وَالْكَيِّسُ. فَخَرَجَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ عِنْدِهِمْ ثُمَّ أَتَاهُمُ الْقَابِلَةَ فَتَحَدَّثَ عِنْدَهُمْ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا الْقَوْمُ رُدُّوا خَيْرًا أَوِ اسْكُتُوا وَتَفَكَّرُوا، وَانْظُرُوا فِيمَا يَنْفَعُكُمْ وَيَنْفَعُ أَهَالِيكُمْ وَالْمُسْلِمِينَ فَاطْلُبُوهُ. فَقَالَ صَعْصَعَةُ: لَسْتَ بِأَهْلِ ذَلِكَ وَلَا كَرَامَةَ لَكَ أَنْ تُطَاعَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. فَقَالَ: أَلَيْسَ أَوَّلُ مَنِ ابْتَدَأْتُكُمْ بِهِ أَنْ أَمَرْتُكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَةِ نَبِيِّهِ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا؟ قَالُوا: بَلْ أَمَرْتَ بِالْفُرْقَةِ وَخِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ: إِنِّي آمُرُكُمُ الْآنَ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ فَأَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَآمُرُكُمْ بِتَقْوَاهُ وَطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلُزُومِ الْجَمَاعَةِ وَأَنْ تُوَقِّرُوا أَئِمَّتَكُمْ وَتَدُلُّوهُمْ عَلَى أَحْسَنِ مَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ. فَقَالَ صَعْصَعَةُ: فَإِنَّا نَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ عَمَلَكَ فَإِنَّ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ، مَنْ كَانَ أَبُوهُ أَحْسَنَ قَدَمًا فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَبِيكَ وَهُوَ أَحْسَنُ فِي الْإِسْلَامِ قَدَمًا مِنْكَ.
فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَدَمًا وَلَغَيْرِي كَانَ أَحْسَنَ قَدَمًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute