مِنِّي، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ فِي زَمَانِي أَحَدٌ أَقْوَى عَلَى مَا أَنَا فِيهِ مِنِّي، وَلَقَدْ رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَوْ كَانَ غَيْرِي أَقْوَى مِنِّي لَمْ تَكُنْ عِنْدَ عُمَرَ هَوَادَةٌ لِي وَلَا لِغَيْرِي، وَلَمْ أُحْدِثْ مِنَ الْحَدَثِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَعْتَزِلَ عَمَلِي، وَلَوْ رَأَى ذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَكَتَبَ إِلَيَّ فَاعْتَزَلْتُ عَمَلَهُ، فَمَهْلًا فَإِنَّ فِي ذَلِكَ وَأَشْبَاهِهِ مَا يَتَمَنَّى الشَّيْطَانُ وَيَأْمُرُ، وَلَعَمْرِي لَوْ كَانَتِ الْأُمُورُ تُقْضَى عَلَى رَأْيِكُمْ وَأَمَانِيِّكُمْ مَا اسْتَقَامَتْ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ يَوْمًا وَلَا لَيْلَةً، فَعَاوِدُوا الْخَيْرَ وَقُولُوهُ، وَإِنَّ لِلَّهِ لَسَطَوَاتٍ، وَإِنِّي لَخَائِفٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تُتَابِعُوا فِي مُطَاوَعَةِ الشَّيْطَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّحْمَنِ، فَيُحِلَّكُمْ ذَلِكَ دَارَ الْهَوَانِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ. فَوَثَبُوا عَلَيْهِ وَأَخَذُوا رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، فَقَالَ: مَهْ إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِأَرْضِ الْكُوفَةِ، وَاللَّهِ لَوْ رَأَى أَهْلُ الشَّامِ مَا صَنَعْتُمْ بِي مَا مَلَكْتُ أَنْ أَنْهَاهُمْ عَنْكُمْ حَتَّى يَقْتُلُوكُمْ، فَلَعَمْرِي إِنَّ صَنِيعَكُمْ لَيُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا!
ثُمَّ قَامَ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ نَحْوَ الْكِتَابِ الْمُتَقَدِّمِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ يَأْمُرُهُ أَنْ يَرُدَّهُمْ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْكُوفَةِ، فَرَدَّهُمْ فَأَطْلَقُوا أَلْسِنَتَهُمْ، فَضَجَّ سَعِيدٌ مِنْهُمْ إِلَى عُثْمَانَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ بِحِمْصَ، فَسَيَّرَهُمْ إِلَيْهَا، فَأَنْزَلَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَجْرَى عَلَيْهِمْ رِزْقًا، وَكَانُوا: الْأَشْتَرَ، وَثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيَّ، وَكُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ، وَزَيْدَ بْنَ صُوحَانَ، وَأَخَاهُ صَعْصَعَةَ، وَجُنْدَبَ بْنَ زُهَيْرٍ الْغَامِدِيَّ، وَجُنْدَبَ بْنَ كَعْبٍ الْأَزْدِيَّ، وَعُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ، وَعَمْرَو بْنَ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيَّ، وَابْنَ الْكَوَّاءِ.
قِيلَ: سَأَلَ مُعَاوِيَةُ ابْنَ الْكَوَّاءِ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ: أَنْتَ بَعِيدُ الثَّرَى كَثِيرُ الْمَرْعَى طَيِّبُ الْبَدِيهَةِ بَعِيدُ الْغَوْرِ، الْغَالِبُ عَلَيْكَ الْحِلْمُ، رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، سُدَّتْ بِكَ فُرْجَةٌ مَخُوفَةٌ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَهْلِ الْأَحْدَاثِ مِنَ الْأَمْصَارِ فَإِنَّكَ أَعْقَلُ أَصْحَابِكَ. قَالَ: أَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَهُمْ أَحْرَصُ الْأُمَّةِ عَلَى الشَّرِّ وَأَعْجَزُهُمْ عَنْهُ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكُوفَةِ فَإِنَّهُمْ يَرِدُونَ جَمِيعًا وَيَصْدُرُونَ شَتَّى، وَأَمَّا أَهْلُ مِصْرَ فَهُمْ أَوْفَى النَّاسِ بِشَرٍّ وَأَسْرَعُهُمْ نَدَامَةً، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّامِ فَهُمْ أَطْوَعُ النَّاسِ لِمُرْشِدِهِمْ وَأَعْصَاهُمْ لِمُغْوِيهِمْ.
ذكر تَسْيِيرِ مَنْ سُيِّرَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إِلَى الشَّامِ
وَلَمَّا مَضَتْ ثَلَاثُ سِنِينَ مِنْ إِمَارَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ بَلَغَهُ أَنَّ [فِي عَبْدِ الْقَيْسِ] رَجُلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute