فَخَرَجَ يَزِيدُ وَأَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي: مَنْ شَاءَ أَنْ يَلْحَقَ بِيَزِيدَ لِرَدِّ سَعِيدٍ فَلْيَفْعَلْ، فَبَقِيَ أَشْرَافُ النَّاسِ وَحُلَمَاؤُهُمْ فِي الْمَسْجِدِ. وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةُ سَعِيدٍ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَأَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ وَالطَّاعَةِ، فَقَالَ لَهُ الْقَعْقَاعُ: أَتَرُدُّ السَّيْلَ عَنْ أَدْرَاجِهِ؟ هَيْهَاتَ لَا وَاللَّهِ لَا يُسْكِنُ الْغَوْغَاءَ إِلَّا الْمَشْرَفِيَّةُ، وَيُوشِكُ أَنْ تُنْتَضَى وَيَعُجُّونَ عَجِيجَ الْعَدَّانِ، وَيَتَمَنَّوْنَ مَا هُمْ فِيهِ الْيَوْمَ فَلَا يَرُدُّهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، فَاصْبِرْ. قَالَ: أَصْبِرُ. وَتَحَوَّلَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَخَرَجَ يَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ فَنَزَلَ الْجَرَعَةَ، وَهِيَ قَرِيبٌ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ، وَمَعَهُ الْأَشْتَرُ، فَوَصَلَ إِلَيْهِمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، فَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا بِكَ. قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكُمْ أَنْ تَبْعَثُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلًا وَإِلَيَّ رَجُلًا، وَهَلْ يَخْرُجُ الْأَلْفُ لَهُمْ عُقُولٌ إِلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ؟ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُمْ، وَتَحَسَّوْا بِمَوْلًى لَهُ عَلَى بَعِيرٍ قَدْ حُسِرَ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَنْبَغِي لِسَعِيدٍ أَنْ يَرْجِعَ. فَقَتَلَهُ الْأَشْتَرُ. وَمَضَى سَعِيدٌ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا فَعَلُوا وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْبَدَلَ وَأَنَّهُمْ يَخْتَارُونَ أَبَا مُوسَى، فَجَعَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ أَمِيرًا، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ:
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَمَّرْتُ عَلَيْكُمْ مَنِ اخْتَرْتُمْ وَأَعْفَيْتُكُمْ مِنْ سَعِيدٍ، وَاللَّهِ لَأُقْرِضَنَّكُمْ عِرْضِي وَلَأَبْذُلَنَّ لَكُمْ صَبْرِي وَلَأَسْتَصْلِحَنَّكُمْ بِجُهْدِي، فَلَا تَدَعُوا شَيْئًا أَحْبَبْتُمُوهُ لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ إِلَّا سَأَلْتُمُوهُ، وَلَا شَيْئًا كَرِهْتُمُوهُ لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ إِلَّا مَا اسْتَعْفَيْتُمْ مِنْهُ، أَنْزِلُ فِيهِ عِنْدَمَا أَحْبَبْتُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ لَكُمْ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ، وَلَنَصْبِرَنَّ كَمَا أُمِرْنَا حَتَّى تَبْلُغُوا مَا تُرِيدُونَ. وَرَجَعَ مِنَ الْأُمَرَاءِ مَنْ قَرُبَ مِنَ الْكُوفَةِ، فَرَجَعَ جَرِيرٌ مِنْ قَرْقِيسِيَا، وَعُتَيْبَةُ بْنُ النَّهَّاسِ مِنْ حُلْوَانَ، وَخَطَبَهُمْ أَبُو مُوسَى وَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ، (وَطَاعَةِ عُثْمَانَ) ، فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ وَقَالُوا: صَلِّ بِنَا فَقَالَ: لَا إِلَّا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعُثْمَانَ. قَالُوا: نَعَمْ. فَصَلَّى بِهِمْ وَأَتَاهُ وِلَايَتُهُ فَوَلِيَهُمْ.
وَقِيلَ: سَبَبُ يَوْمِ الْجَرَعَةِ أَنَّهُ كَانَ قَدِ اجْتَمَعَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَتَذَاكَرُوا أَعْمَالَ عُثْمَانَ فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيَّ ثُمَّ الْعَنْبَرِيَّ، وَهُوَ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute