يُدْعَى عَامِرَ بْنَ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَأَتَاهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اجْتَمَعُوا وَنَظَرُوا فِي أَعْمَالِكَ، فَوَجَدُوكَ قَدْ رَكِبْتَ أُمُورًا عِظَامًا، فَاتَّقِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ. فَقَالَ عُثْمَانُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَارِئٌ، ثُمَّ هُوَ يَجِيءُ يُكَلِّمُنِي فِي الْمُحَقَّرَاتِ، وَوَاللَّهِ مَا يَدْرِي أَيْنَ اللَّهُ! فَقَالَ عَامِرٌ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأَدْرِي أَنَّ اللَّهَ لَبِالْمِرْصَادِ!
فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ وَإِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ فَجَمَعَهُمْ فَشَاوَرَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ وُزَرَاءٌ وَنُصَحَاءُ، وَإِنَّكُمْ وُزَرَائِي وَنُصَحَائِي وَأَهْلُ ثِقَتِي، وَقَدْ صَنَعَ النَّاسُ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ وَطَلَبُوا إِلَيَّ أَنْ أَعْزِلَ عُمَّالِي، وَأَنْ أَرْجِعَ عَنْ جَمِيعِ مَا يَكْرَهُونَ إِلَى مَا يُحِبُّونَ، فَاجْتَهِدُوا رَأْيَكُمْ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَامِرٍ: أَرَى لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَشْغَلَهُمْ بِالْجِهَادِ عَنْكَ حَتَّى يَذِلُّوا لَكَ وَلَا يَكُونَ هِمَّةُ أَحَدِهِمْ إِلَّا فِي نَفْسِهِ وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ دُبُرِ دَابَّتِهِ وَقَمْلِ فَرْوَتِهُ. وَقَالَ سَعِيدٌ: احْسِمْ عَنْكَ الدَّاءَ فَاقْطَعْ عَنْكَ الَّذِي تَخَافُ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ قَاعِدَةً مَتَى تَهْلِكْ يَتَفَرَّقُوا وَلَا يَجْتَمِعْ لَهُمْ أَمْرٌ. فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّ هَذَا هُوَ الرَّأْيُ لَوْلَا مَا فِيهِ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَأْمُرَ أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ فَيَكْفِيَكَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا قِبَلَهُ وَأَكْفِيَكَ أَنَا أَهْلَ الشَّامِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ: إِنَّ النَّاسَ أَهْلُ طَمَعٍ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ تَعْطِفْ عَلَيْكَ قُلُوبُهُمْ. ثُمَّ قَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ قَدْ رَكِبْتَ النَّاسَ بِمِثْلِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَقُلْتَ وَقَالُوا وَزُغْتَ وَزَاغُوا، فَاعْتَدِلْ أَوِ اعْتَزِلْ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَاعْتَزِمْ عَزْمًا وَاقْدُمْ قُدُمًا. فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا لَكَ قَمِلَ فَرْوُكَ؟ أَهَذَا الْجِدُّ مِنْكَ؟ فَسَكَتَ عَمْرٌو حَتَّى تَفَرَّقُوا فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَأَنْتَ أَكْرَمُ عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي عَلِمْتُ أَنَّ بِالْبَابِ مَنْ يُبَلِّغُ النَّاسَ قَوْلَ كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا، فَأَرَدْتُ أَنْ يَبْلُغَهُمْ قَوْلِي فَيَثِقُوا بِي، فَأَقُودَ إِلَيْكَ خَيْرًا وَأَدْفَعَ عَنْكَ شَرًّا.
فَرَدَّ عُثْمَانُ عُمَّالَهُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ بِتَجْهِيزِ النَّاسِ فِي الْبُعُوثِ، وَعَزَمَ عَلَى تَحْرِيمِ أُعْطِيَّاتِهِمْ لِيُطِيعُوهُ، وَرَدَّ سَعِيدًا إِلَى الْكُوفَةِ، فَلَقِيَهُ النَّاسُ مِنَ الْجَرَعَةِ وَرَدُّوهُ، كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ. قَالَ أَبُو ثَوْرٍ الْحَدَّانِيُّ: جَلَسْتُ إِلَى حُذَيْفَةَ، وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ بِمَسْجِدِ الْكُوفَةِ يَوْمَ الْجَرَعَةِ، فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: مَا أَرَى أَنْ تُرَدَّ عَلَى عَقِبَيْهَا حَتَّى يَكُونَ فِيهَا دِمَاءٌ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: وَاللَّهِ لَتُرَدَّنَّ عَلَى عَقِبَيْهَا وَلَا يَكُونُ فِيهَا مَحْجَمَةُ دَمٍ، وَمَا أَرَى الْيَوْمَ شَيْئًا إِلَّا وَقَدْ عَلِمْتُهُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ. فَرَجَعَ سَعِيدٌ إِلَى عُثْمَانَ وَلَمْ يُسْفَكْ دَمٌ، وَجَاءَ أَبُو مُوسَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute