وَأَرْسَلَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ إِلَى مِصْرَ، وَأَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ إِلَى الشَّامِ، وَفَرَّقَ رِجَالًا سِوَاهُمْ، فَرَجَعُوا جَمِيعًا قَبْلَ عَمَّارٍ فَقَالُوا: مَا أَنْكَرْنَا شَيْئًا أَيُّهَا النَّاسُ وَلَا أَنْكَرَهُ أَعْلَامُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا عَوَامُّهُمْ. وَتَأَخَّرَ عَمَّارٌ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدِ اغْتِيلَ، فَوَصَلَ كِتَابٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ يَذْكُرُ أَنَّ عَمَّارًا قَدِ اسْتَمَالَهُ قَوْمٌ وَانْقَطَعُوا إِلَيْهِ، مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّوْدَاءِ، وَخَالِدُ بْنُ مُلْجَمٍ، وَسَوْدَانُ بْنُ حُمْرَانَ، وَكِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ.
فَكَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ: [أَمَّا بَعْدُ] فَإِنِّي آخِذٌ عُمَّالِي بِمُوَافَاتِي كُلَّ مَوْسِمٍ، وَقَدْ رَفَعَ إِلَيَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ أَقْوَامًا يُشْتَمُونَ وَيُضْرَبُونَ، فَمَنِ ادَّعَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلْيُوَافِ الْمَوْسِمَ يَأْخُذْ حَقَّهُ حَيْثُ كَانَ مِنِّي أَوْ مِنْ عُمَّالِي، أَوْ تَصَّدَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ. فَلَمَّا قُرِئَ فِي الْأَمْصَارِ بَكَى النَّاسُ وَدَعَوْا لِعُثْمَانَ. وَبَعَثَ إِلَى عُمَّالِ الْأَمْصَارِ فَقَدِمُوا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَمْرًا، فَقَالَ: وَيْحَكُمُ مَا هَذِهِ الشِّكَايَةُ وَالْإِذَاعَةُ؟ إِنِّي وَاللَّهِ لَخَائِفٌ أَنْ تَكُونُوا مَصْدُوقًا عَلَيْكُمْ وَمَا يُعْصَبُ هَذَا إِلَّا بِي! فَقَالُوا لَهُ: أَلَمْ تَبْعَثْ؟ أَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْكَ الْخَبَرُ عَنِ الْعَوَامِّ؟ أَلَمْ يَرْجِعْ رُسُلُكَ وَلَمْ يُشَافِهْهُمْ أَحَدٌ بِشَيْءٍ؟ وَاللَّهِ مَا صَدَقُوا وَلَا بَرُّوا وَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْأَمْرِ أَصْلًا، وَلَا يَحِلُّ الْأَخْذُ بِهَذِهِ الْإِذَاعَةِ! فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ. فَقَالَ سَعِيدٌ: هَذَا أَمْرٌ مَصْنُوعٌ يُلْقَى فِي السِّرِّ فَيَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ، وَدَوَاءُ ذَلِكَ طَلَبُ هَؤُلَاءِ وَقَتْلُ الَّذِينَ يَخْرُجُ هَذَا مِنْ عِنْدِهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ: خُذْ مِنَ النَّاسِ الَّذِي عَلَيْهِمْ إِذَا أَعْطَيْتُمُ الَّذِي لَهُمْ فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ وَلَّيْتَنِي فَوُلِّيتُ قَوْمًا لَا يَأْتِيكَ عَنْهُمْ إِلَّا الْخَيْرُ، وَالرَّجُلَانِ أَعْلَمُ بِنَاحِيَتَيْهِمَا، وَالرَّأْيُ حُسْنُ الْأَدَبِ. وَقَالَ عَمْرٌو: أَرَى أَنَّكَ قَدْ لِنْتَ لَهُمْ وَرَخَيْتَ عَلَيْهِمْ وَزِدْتَهُمْ عَلَى مَا كَانَ يَصْنَعُ عُمَرُ، فَأَرَى أَنْ تَلْزَمَ طَرِيقَةَ صَاحِبَيْكَ فَتَشْتَدَّ فِي مَوْضِعِ الشِّدَّةِ، وَتَلِينَ فِي مَوْضِعِ اللِّينِ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: قَدْ سَمِعْتُ كُلَّ مَا أَشَرْتُمْ بِهِ عَلَيَّ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ بَابٌ يُؤْتَى مِنْهُ، إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي يُخَافُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ كَائِنٌ، وَإِنَّ بَابَهُ الَّذِي يُغْلَقُ عَلَيْهِ لَيُفْتَحَنَّ فَنُكَفْكِفُهُ بِاللِّينِ وَالْمُؤَاتَاةِ إِلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ، فَإِنْ فُتِحَ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ عَلَيَّ حُجَّةُ حَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنِّي لَمْ آلُ النَّاسَ خَيْرًا، وَإِنَّ رَحَى الْفِتْنَةِ لَدَائِرَةٌ، فَطُوبَى لِعُثْمَانَ إِنْ مَاتَ وَلَمْ يُحَرِّكْهَا. سَكِّنُوا النَّاسَ وَهَبُوا لَهُمْ حُقُوقَهُمْ، فَإِذَا تُعُوطِيَتْ حُقُوقُ اللَّهِ فَلَا تُدْهِنُوا فِيهَا. فَلَمَّا نَفَرَ عُثْمَانُ وَشَخَصَ مُعَاوِيَةُ وَالْأُمَرَاءُ مَعَهُ وَاسْتَقَلَّ عَلَى الطَّرِيقِ رَجَزَ بِهِ الْحَادِي فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute