قَدْ عَلِمَتْ ضَوَامِرُ الْمَطِيُّ ... وَضُمَّرَاتُ عُوَّجِ الْقِسِيِّ
أَنَّ الْأَمِيرَ بَعْدَهُ عَلِيٌّ ... وَفِي الزُّبَيْرِ خَلَفٌ رَضِيٌّ
[وَطَلْحَةُ الْحَامِي لَهَا وَلِيٌّ
]
فَقَالَ كَعْبٌ: كَذَبْتَ بَلْ يَلِي بَعْدَهُ صَاحِبُ الْبَغْلَةِ الشَّهْبَاءِ - يَعْنِي مُعَاوِيَةَ - فَطَمِعَ فِيهَا مِنْ يَوْمِئِذٍ.
فَلَمَّا قَدِمَ عُثْمَانُ الْمَدِينَةَ دَعَا عَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعِنْدَهُ مُعَاوِيَةُ، فَحَمِدَ اللَّهَ مُعَاوِيَةُ ثُمَّ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلَفِهِ وَوُلَاةُ أَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، لَا يَطْمَعُ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرَكُمْ، اخْتَرْتُمْ صَاحِبَكُمْ عَنْ غَيْرِ غَلَبَةٍ وَلَا طَمَعٍ، وَقَدْ كَبُرَ وَوَلَّى عُمْرُهُ، وَلَوِ انْتَظَرْتُمْ بِهِ الْهَرَمَ لَكَانَ قَرِيبًا، مَعَ أَنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَبْلُغَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ فَشَتْ مَقَالَةٌ خِفْتُهَا عَلَيْكُمْ فَمَا عَتَبْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ، فَهَذِهِ يَدِي لَكُمْ بِهِ، وَلَا تُطْمِعُوا النَّاسَ فِي أَمْرِكُمْ، فَوَاللَّهِ إِنْ طَمِعُوا فِيهِ لَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا أَبَدًا إِلَّا إِدْبَارًا.
قَالَ عَلِيٌّ: مَا لَكَ وَلِذَلِكَ لَا أُمَّ لَكَ؟ قَالَ: دَعْ أُمِّي فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرِّ أُمَّهَاتِكُمْ، قَدْ أَسْلَمَتْ وَبَايَعَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَجِبْنِي عَمَّا أَقُولُ لَكَ. فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقَ ابْنُ أَخِي، أَنَا أُخْبِرُكُمْ عَنِّي وَعَمَّا وُلِّيتُ، إِنَّ صَاحِبَيَّ اللَّذَيْنِ كَانَا قَبْلِي ظَلَمَا أَنْفُسَهُمَا وَمَنْ كَانَ مِنْهُمَا بِسَبِيلٍ احْتِسَابًا، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْطِي قَرَابَتَهُ وَأَنَا فِي رَهْطٍ أَهْلِ عَيْلَةٍ وَقِلَّةِ مَعَاشٍ، فَبَسَطْتُ يَدِي فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِمَا أَقُومُ بِهِ فِيهِ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ ذَلِكَ خَطَأً فَرُدُّوهُ فَأَمْرِي لِأَمْرِكُمْ تَبَعٌ. فَقَالُوا: قَدْ أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ، قَدْ أَعْطَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ خَمْسِينَ أَلْفًا، وَأَعْطَيْتَ مَرْوَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا. فَأُخِذَ مِنْهُمَا ذَلِكَ، فَرَضُوا وَخَرَجُوا رَاضِينَ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعُثْمَانَ: اخْرُجْ مَعِي إِلَى الشَّامِ فَإِنَّهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ قَبْلَ أَنْ يَهْجُمَ عَلَيْكَ مَنْ لَا قِبَلَ لَكَ بِهِ. فَقَالَ: لَا أَبِيعُ جِوَارَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خَيْطُ عُنُقِي. قَالَ: فَإِنْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ جُنْدًا مِنْهُمْ يُقِيمُ مَعَكَ لِنَائِبَةٍ إِنْ نَابَتْ؟ قَالَ: لَا أُضَيِّقُ عَلَى جِيرَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتُغْتَالَنَّ وَلَتُغْزَيَنَّ! فَقَالَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ!
ثُمَّ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ فَمَرَّ عَلَى نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فِيهِمْ عَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute