للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيْنَهُمْ أَجَلًا فَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَرُدَّ مَا كَرِهُوا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا مَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَلَا أَجَلَ فِيهِ، وَمَا غَابَ فَأَجَلُهُ وُصُولُ أَمْرِكَ. قَالَ: نَعَمْ، فَأَجِّلْنِي فِيمَا فِي الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَكَتَبَ بَيْنَهُمْ كِتَابًا عَلَى رَدِّ كُلِّ مَظْلَمَةٍ وَعَزْلِ كُلِّ عَامِلٍ كَرِهُوهُ.

فَكَفَّ النَّاسُ عَنْهُ، فَجَعَلَ يَتَأَهَّبُ لِلْقِتَالِ وَيَسْتَعِدُّ بِالسِّلَاحِ وَاتَّخَذَ جُنْدًا، فَلَمَّا مَضَتِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ وَلَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا ثَارَ بِهِ النَّاسُ، وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ إِلَى الْمِصْرِيِّينَ فَأَعْلَمَهُمُ الْحَالَ، وَهُمْ بِذِي خُشُبٍ، فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَطَلَبُوا مِنْهُ عَزْلَ عُمَّالِهِ وَرَدَّ مَظَالِمِهِمْ. فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ مُسْتَعْمِلًا مَنْ أَرَدْتُمْ وَعَازِلًا مَنْ كَرِهْتُمْ فَلَسْتُ فِي شَيْءٍ وَالْأَمْرُ أَمْرُكُمْ. فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ أَوْ لَتُخْلَعَنَّ أَوْ لَتُقْتَلَنَّ. فَأَبَى عَلَيْهِمْ وَقَالَ: لَا أَنْزِعُ سِرْبَالًا سَرْبَلَنِيهُ اللَّهُ. فَحَصَرُوهُ وَاشْتَدَّ الْحِصَارُ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ فَحَضَرُوا، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اجْلِسُوا. فَجَلَسُوا الْمُحَارِبُ وَالْمُسَالِمُ. فَقَالَ لَهُمْ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُحْسِنَ عَلَيْكُمُ الْخِلَافَةَ مِنْ بَعْدِي، ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ دَعَوْتُمُ اللَّهَ عِنْدَ مُصَابِ عُمَرَ أَنْ يَخْتَارَ لَكُمْ وَيَجْمَعَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ؟ أَتَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْتَجِبْ لَكُمْ وَهُنْتُمْ عَلَيْهِ وَأَنْتُمْ أَهْلُ حَقِّهِ؟ أَمْ تَقُولُونَ: هَانَ عَلَى اللَّهِ دِينُهُ فَلَمْ يُبَالِ مَنْ وُلِّيَ وَالدِّينُ لَمْ يَتَفَرَّقْ أَهْلُهُ يَوْمَئِذٍ؟ أَمْ تَقُولُونَ: لَمْ يَكُنْ أَخْذٌ عَنْ مَشُورَةٍ، إِنَّمَا كَانَ مُكَابَرَةً، فَوَكَّلَ اللَّهُ الْأُمَّةَ إِذَا عَصَتْهُ وَلَمْ يُشَاوِرُوا فِي الْإِمَامَةِ؟ أَمْ تَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَعْلَمْ عَاقِبَةَ أَمْرِي! وَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَتَعْلَمُونَ لِي مِنْ سَابِقَةِ خَيْرٍ وَقَدَمِ خَيْرٍ قَدَّمَهُ اللَّهُ لِي مَا يُوجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ جَاءَ بَعْدِي أَنْ يَعْرِفُوا لِي فَضْلَهَا! فَمَهْلًا لَا تَقْتُلُونِي فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ إِلَّا قَتْلُ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ، أَوْ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قَتَلْتُمُونِي وَضَعْتُمُ السَّيْفَ عَلَى رِقَابِكُمْ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعِ اللَّهُ عَنْكُمُ الِاخْتِلَافَ أَبَدًا.

قَالُوا: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنِ اسْتِخَارَةِ النَّاسِ بَعْدَ عُمَرَ ثُمَّ وَلُّوكَ، فَإِنَّ كُلَّ مَا صَنَعَ اللَّهُ خِيرَةٌ، وَلَكِنَّ اللَّهَ جَعَلَكَ بَلِيَّةً ابْتَلَى بِهَا عِبَادَهُ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ قَدَمِكَ وَسَلَفِكَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كُنْتَ كَذَلِكَ وَكُنْتَ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ، وَلَكِنْ أَحْدَثْتَ مَا عَلِمْتَهُ، وَلَا نَتْرُكُ إِقَامَةَ الْحَقِّ عَلَيْكَ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ عَامًا قَابِلًا، وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّهُ لَا يَحِلُّ إِلَّا قَتْلُ ثَلَاثَةٍ، فَإِنَّا نَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَتْلَ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ سَمَّيْتَ، قَتْلَ مَنْ سَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَقَتْلَ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>