للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ آخِرَ مَنْ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَكَانَ يُحَدِّثُ عَنْ عُثْمَانَ بِآخِرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَأَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالنَّاسُ مُحْجِمُونَ فَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ طَابَ فِيهِ الضَّرْبُ! وَنَادَى: {قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [غافر: ٤١] ، وَبَرَزَ مَرْوَانُ وَهُوَ يَقُولُ:

قَدْ عَلِمَتْ ذَاتُ الْقُرُونِ الْمِيلِ ... وَالْكَفِّ وَالْأَنَامِلِ الطُّفُولِ

أَنِّي أَرُوعُ أَوَّلَ الرَّعِيلِ ... بِغَارَةٍ مِثْلَ الْقَطَا الشَّلِيلِ

فَبَرَزَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُدْعَى الْبَيَّاعَ، فَضَرَبَهُ مَرْوَانُ وَضَرَبَ هُوَ مَرْوَانَ عَلَى رَقَبَتِهِ فَأَثْبَتَهُ وَقَطَعَ إِحْدَى عِلْبَاوَيْهِ، فَعَاشَ مَرْوَانُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْقَصَ، وَقَامَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ بْنُ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيُّ لِيُدَفِّفَ عَلَيْهِ، فَقَامَتْ فَاطِمَةُ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَدِيٍّ، وَكَانَتْ أَرْضَعَتْ مَرْوَانَ وَأَرْضَعَتْ لَهُ، فَقَالَتْ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلَهُ فَقَدْ قُتِلَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَلْعَبَ بِلَحْمِهِ فَهَذَا قَبِيحٌ! فَتَرَكَهُ وَأَدْخَلَتْهُ بَيْتَهَا، فَعَرَفَ لَهَا بَنُوهُ ذَلِكَ، وَاسْتَعْمَلُوا ابْنَهَا إِبْرَاهِيمَ بَعْدُ. وَنَزَلَ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ رَجُلٌ فَقَتَلَ الْمُغِيرَةَ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسَ يَذْكُرُونَهُ قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَيْسٍ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ هَاتِفًا يَهْتِفُ فَقَالَ: بَشِّرْ قَاتِلَ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ بِالنَّارِ، فَابْتُلِيتُ بِهِ.

وَاقْتَحَمَ النَّاسُ الدَّارَ مِنَ الدُّورِ الَّتِي حَوْلَهَا، وَدَخَلُوهَا مِنْ دَارِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى دَارِ عُثْمَانَ حَتَّى مَلَؤُهَا وَلَا يَشْعُرُ مَنْ بِالْبَابِ، وَغَلَبَ النَّاسُ عَلَى عُثْمَانَ وَنَدَبُوا رَجُلًا يَقْتُلُهُ، فَانْتُدِبَ لَهُ رَجُلٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْبَيْتَ فَقَالَ: اخْلَعْهَا وَنَدَعَكَ. فَقَالَ: وَيْحَكَ! وَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ امْرَأَةً فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ وَلَا تَغَنَّيْتُ وَلَا تَمَنَّيْتُ وَلَا وَضَعْتُ يَمِينِي عَلَى عَوْرَتِي مُنْذُ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَسْتُ خَالِعًا قَمِيصًا كَسَانِيهِ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يُكْرِمَ اللَّهُ أَهْلَ السَّعَادَةِ وَيُهِينَ أَهْلَ الشَّقَاوَةِ! فَخَرَجَ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يُنْجِينَا مِنَ النَّاسِ إِلَّا قَتْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لَنَا قَتْلُهُ. فَأَدْخَلُوا عَلَيْهِ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ فَقَالَ لَهُ: لَسْتَ بِصَاحِبِي لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لَكَ أَنْ تُحْفَظَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَلَنْ تَضِيعَ. فَرَجَعَ عَنْهُ وَفَارَقَ الْقَوْمَ. وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَغْفَرَ لَكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>