فَلَنْ تُقَارِفَ دَمًا حَرَامًا. فَرَجَعَ وَفَارَقَ أَصْحَابَهُ. وَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ يَنْهَاهُمْ عَنْ قَتْلِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ لَا تَسُلُّوا سَيْفَ اللَّهِ فِيكُمْ، فَوَاللَّهِ إِنْ سَلَلْتُمُوهُ لَا تُغْمِدُوهُ! وَيْلَكُمْ! إِنَّ سُلْطَانَكُمُ الْيَوْمَ يُقَوِّمُ بِالدِّرَّةِ، فَإِنْ قَتَلْتُمُوهُ لَا يُقَوِّمُ إِلَّا بِالسَّيْفِ. وَيْلَكُمْ! إِنَّ مَدِينَتَكُمْ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَلَائِكَةِ فَإِنْ قَتَلْتُمُوهُ لَيَتْرُكُنَّهَا. فَقَالُوا: يَا ابْنَ الْيَهُودِيَّةِ مَا أَنْتَ وَهَذَا! فَرَجَعَ عَنْهُمْ. وَكَانَ آخِرَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ مِمَّنْ رَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: وَيْلَكَ أَعَلَى اللَّهِ تَغْضَبُ؟ هَلْ لِي إِلَيْكَ جُرْمٌ إِلَّا حَقَّهُ أَخَذْتُهُ مِنْكَ؟
فَأَخَذَ مُحَمَّدٌ لِحْيَتَهُ وَقَالَ: قَدْ أَخْزَاكَ اللَّهُ يَا نَعْثَلُ! فَقَالَ: لَسْتُ بِنَعْثَلٍ وَلَكِنِّي عُثْمَانُ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانُوا يُلَقِّبُونَ بِهِ عُثْمَانَ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا أَغْنَى عَنْكَ مُعَاوِيَةُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ! فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا ابْنَ أَخِي فَمَا كَانَ أَبُوكَ لِيَقْبِضَ عَلَيْهَا. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ رَآكَ أَبِي تَعْمَلُ هَذِهِ الْأَعْمَالَ أَنْكَرَهَا عَلَيْكَ، وَالَّذِي أُرِيدَ بِكَ أَشَدُّ مِنْ قَبْضِي عَلَيْهَا! فَقَالَ عُثْمَانُ: أَسْتَنْصِرُ اللَّهَ عَلَيْكَ وَأَسْتَعِينُ بِهِ! فَتَرَكَهُ وَخَرَجَ.
وَقِيلَ: بَلْ طَعَنَ جَبِينَهُ بِمِشْقَصٍ كَانَ فِي يَدِهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ مُحَمَّدٌ وَعَرَفُوا انْكِسَارَهُ ثَارَ قُتَيْرَةُ، وَسَوْدَانُ بْنُ حُمْرَانَ، وَالْغَافِقِيُّ، فَضَرَبَهُ الْغَافِقِيُّ بِحَدِيدَةٍ مَعَهُ وَضَرَبَ الْمُصْحَفَ بِرِجْلِهِ، فَاسْتَدَارَ الْمُصْحَفُ وَاسْتَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَسَالَتْ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ، وَجَاءَ سَوْدَانُ لِيَضْرِبَهُ، فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَاتَّقَتِ السَّيْفَ بِيَدِهَا، فَنَفَحَ أَصَابِعَهَا فَأَطَنَّ أَصَابِعَ يَدِهَا وَوَلَّتْ، فَغَمَزَ أَوْرَاكَهَا وَقَالَ: إِنَّهَا لَكَبِيرَةُ الْعَجُزِ! وَضَرَبَ عُثْمَانَ فَقَتَلَهُ.
وَقِيلَ: الَّذِي قَتَلَهُ كِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ التُّجِيبِيُّ. وَكَانَ عُثْمَانُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِلْكَ اللَّيْلَةَ يَقُولُ لَهُ: إِنَّكَ تُفْطِرُ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا. فَلَمَّا قُتِلَ سَقَطَ مِنْ دَمِهِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: ١٣٧] . وَدَخَلَ غُلْمَةٌ لِعُثْمَانَ مَعَ الْقَوْمِ لِيَنْصُرُوهُ، وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ أَعْتَقَ مَنْ كَفَّ يَدَهُ مِنْهُمْ، فَلَمَّا ضَرَبَهُ سَوْدَانُ ضَرَبَ بَعْضُ الْغِلْمَانِ رَقَبَةَ سَوْدَانَ فَقَتَلَهُ، وَوَثَبَ قُتَيْرَةُ عَلَى الْغُلَامِ فَقَتَلَهُ، وَانْتَهَبُوا مَا فِي الْبَيْتِ وَخَرَجُوا، ثُمَّ أَغْلَقُوهُ عَلَى ثَلَاثَةِ قَتْلَى، فَلَمَّا خَرَجُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute