الْخِلَافَةَ. فَأَرْسَلُوا إِلَى سَعْدٍ يَطْلُبُونَهُ، فَقَالَ: إِنِّي وَابْنُ عُمَرَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا، فَأَتَوُا ابْنَ عُمَرَ فَلَمْ يُجِبْهُمْ، فَبَقَوْا حَيَارَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَئِنْ رَجَعَ النَّاسُ إِلَى أَمْصَارِهِمْ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَمْ نَأْمَنْ الِاخْتِلَافَ وَفَسَادَ الْأُمَّةِ. فَجَمَعُوا أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا لَهُمْ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْتُمْ أَهْلُ الشُّورَى، وَأَنْتُمْ تَعْقِدُونَ الْإِمَامَةَ، وَحُكْمُكُمْ جَائِزٌ عَلَى الْأُمَّةِ، فَانْظُرُوا رَجُلًا تَنْصِبُونَهُ وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ، وَقَدْ أَجَّلْنَاكُمْ يَوْمَكُمْ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَفْرُغُوا لَنَقْتُلَنَّ غَدًا عَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَأُنَاسًا كَثِيرًا! فَغَشِيَ النَّاسُ عَلِيًّا فَقَالُوا: نُبَايِعُكَ فَقَدْ تَرَى مَا نَزَلَ بِالْإِسْلَامِ وَمَا ابْتُلِينَا بِهِ مِنْ بَيْنِ الْقُرَى. فَقَالَ عَلِيٌّ: دَعَوْنِي وَالْتَمِسُوا غَيْرِي، فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْرًا لَهُ وُجُوهٌ وَلَهُ أَلْوَانٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْقُلُوبُ وَلَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ. فَقَالُوا: نَنْشُدُكَ اللَّهَ! أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى الْإِسْلَامَ؟ أَلَا تَرَى الْفِتْنَةَ؟ أَلَا تَخَافُ اللَّهَ؟ فَقَالَ: قَدْ أَجَبْتُكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ، وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَإِنَّمَا أَنَا كَأَحَدِكُمْ، إِلَّا أَنِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ. ثُمَّ افْتَرَقُوا عَلَى ذَلِكَ وَاتَّعَدُوا الْغَدَ.
وَتَشَاوَرَ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقَالُوا: إِنْ دَخَلَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَقَدِ اسْتَقَامَتْ، فَبَعَثَ الْبَصْرِيُّونَ إِلَى الزُّبَيْرِ حُكَيْمَ بْنَ جَبَلَةَ وَقَالُوا: احْذَرْ لَا تُحَابِهِ، وَمَعَهُ نَفَرٌ، فَجَاءُوا بِهِ يَحْدُونَهُ بِالسَّيْفِ، فَبَايَعَ، وَبَعَثُوا إِلَى طَلْحَةَ الْأَشْتَرَ وَمَعَهُ نَفَرٌ، فَأَتَى طَلْحَةُ، فَقَالَ: دَعْنِي أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ، فَلَمْ يَدَعْهُ، فَجَاءَ بِهِ يُتِلُّهُ تَلًّا عَنِيفًا، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَبَايَعَ. وَكَانَ الزُّبَيْرُ يَقُولُ: جَاءَنِي لِصٌّ مِنْ لُصُوصِ عَبْدِ الْقَيْسِ فَبَايَعْتُ وَالسَّيْفُ عَلَى عُنُقِي، وَأَهْلُ مِصْرَ فَرِحُونَ بِمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ خَشَعَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ أَنْ صَارُوا أَتْبَاعًا لِأَهْلِ مِصْرَ وَازْدَادُوا بِذَلِكَ عَلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ غَيْظًا.
وَلَمَّا أَصْبَحُوا يَوْمَ الْبَيْعَةِ، وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، حَضَرَ النَّاسُ الْمَسْجِدَ، وَجَاءَ عَلِيٌّ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، عَنْ مَلَإٍ وَإِذْنٍ، إِنَّ هَذَا أَمْرُكُمْ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقٌّ إِلَّا مَنْ أَمَّرْتُمْ، وَقَدِ افْتَرَقْنَا بِالْأَمْسِ عَلَى أَمْرٍ وَكُنْتُ كَارِهًا لِأَمْرِكُمْ، فَأَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ أَكُونَ عَلَيْكُمْ، أَلَا وَإِنَّهُ لَيْسَ لِي دُونَكُمْ إِلَّا مَفَاتِيحُ مَا لَكَمَ مَعِي، وَلَيْسَ لِي أَنْ آخُذَ دِرْهَمًا دُونَكُمْ، فَإِنْ شِئْتُمْ قَعَدْتُ لَكُمْ وَإِلَّا فَلَا أَجِدُ عَلَى أَحَدٍ. فَقَالُوا: نَحْنُ عَلَى مَا فَارَقْنَاكَ عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute