فَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ. وَلَمَّا جَاءُوا بِطَلْحَةَ لِيُبَايِعَ قَالَ: إِنَّمَا أُبَايِعُ كُرْهًا. فَبَايَعَ، وَكَانَ بِهِ شَلَلٌ، فَقَالَ رَجُلٌ يَعْتَافُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَوَّلُ يَدٍ بَايَعَتْ يَدٌ شَلَّاءٌ، لَا يَتِمُّ هَذَا الْأَمْرُ! ثُمَّ جِيءَ بِالزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ وَبَايَعَ، وَفِي الزُّبَيْرِ اخْتِلَافٌ، ثُمَّ جِيءَ بَعْدَهُ بِقَوْمٍ كَانُوا قَدْ تَخَلَّفُوا فَقَالُوا: نُبَايِعُ عَلَى إِقَامَةِ كِتَابِ اللَّهِ فِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَالْعَزِيزِ وَالذَّلِيلِ، فَبَايَعَهُمْ، ثُمَّ قَامَ الْعَامَّةُ فَبَايَعُوا، وَصَارَ الْأَمْرُ أَمْرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَأَنَّهُمْ كَمَا كَانُوا فِيهِ وَتَفَرَّقُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ.
وَبُويِعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالنَّاسُ يَحْسِبُونَ بَيْعَتَهُ مِنْ [يَوْمِ] قُتِلَ عُثْمَانُ.
وَأَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا عَلِيٌّ حِينَ اسْتُخْلِفَ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ كِتَابًا هَادِيًا يُبَيِّنُ فِيهِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، فَخُذُوا بِالْخَيْرِ وَدَعُوا الشَّرَّ، الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ أَدُّوهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يُؤَدِّكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ. إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ حُرُمَاتٍ غَيْرَ مَجْهُولَةٍ، وَفَضَّلَ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرُمِ كُلِّهَا، وَشَدَّ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ، فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ إِلَّا بِالْحَقِّ، لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِمَا يَجِبُ. بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخَاصَّةُ أَحَدِكُمُ الْمَوْتُ، فَإِنَّ النَّاسَ أَمَامَكُمْ وَإِنَّ مَا [مِنْ] خَلْفِكُمُ السَّاعَةُ تَحْدُوكُمْ. تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا، فَإِنَّمَا يَنْتَظِرُ النَّاسُ أُخْرَاهُمْ. اتَّقَوُا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ فِي بِلَادِهِ وَعِبَادِهِ، إِنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ. أَطِيعُوا اللَّهَ فَلَا تَعْصَوْهُ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الْخَيْرَ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الشَّرَّ فَدَعُوهُ، {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: ٢٦] وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْخُطْبَةِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَتِ السَّبَئِيَّةُ:
خُذْهَا إِلَيْكَ وَاحْذَرَنْ أَبَا حَسَنْ ... إِنَّا نُمِرُّ الْأَمْرَ إِمْرَارَ الرَّسَنْ
صَوْلَةَ أَقْوَامٍ كَأَشْدَادِ السُّفُنْ ... بِمَشْرَفِيَّاتٍ كَغُدْرَانِ اللَّبَنْ
وَنَطْعَنُ الْمَلْكَ بِلَيْنٍ كَالشَّطَنْ ... حَتَّى يُمَرَّنَّ عَلَى غَيْرِ عَنَنْ
فَقَالَ عَلِيٌّ:
إِنِّي عَجَزْتُ عَجْزَةً لَا أَعْتَذِرْ ... سَوْفَ أَكِيسُ بَعْدَهَا وَأَسْتَمِرْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute