للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنْ لَمْ يُشَاغِبْنِي الْعَجُولُ الْمُنْتَصِرْ

إِنْ تَتْرُكُونِي وَالسِّلَاحَ يَبْتَدِرْ

وَرَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى بَيْتِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فِي عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَقَالُوا: يَا عَلِيُّ إِنَّا قَدِ اشْتَرَطْنَا إِقَامَةَ الْحُدُودِ، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدِ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِ هَذَا الرَّجُلِ وَأَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ. فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهُ إِنِّي لَسْتُ أَجْهَلُ مَا تَعْلَمُونَ، وَلَكِنْ كَيْفَ أَصْنَعُ بِقَوْمٍ يَمْلِكُونَنَا وَلَا نَمْلِكُهُمْ؟ هَا هُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ ثَارَتْ مَعَهُمْ عُبْدَانُكُمْ وَثَابَتْ إِلَيْهِمْ أَعْرَابُكُمْ وَهُمْ خُلَّاطُكُمْ يَسُومُونَكُمْ مَا شَاءُوا، فَهَلْ تَرَوْنَ مَوْضِعًا لِقُدْرَةٍ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَلَا وَاللَّهِ لَا أَرَى إِلَّا رَأْيًا تَرَوْنَهُ أَبَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ أَمْرُ جَاهِلِيَّةٍ، وَإِنَّ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مَادَّةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَمْ يُشْرِعْ شَرِيعَةً قَطُّ، فَيَبْرَحُ الْأَرْضَ [مَنْ] أَخَذَ بِهَا أَبَدًا. إِنَّ النَّاسَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ إِنْ حُرِّكَ عَلَى أُمُورٍ: فِرْقَةٌ تَرَى مَا تَرَوْنَ، وَفِرْقَةٌ تَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَفِرْقَةٌ لَا تَرَى هَذَا وَلَا هَذَا، حَتَّى يَهْدَأَ النَّاسُ وَتَقَعَ الْقُلُوبُ مَوَاقِعَهَا وَتُؤْخَذُ الْحُقُوقُ، فَاهْدَأُوا عَنِّي، وَانْظُرُوا مَاذَا يَأْتِيكُمْ ثُمَّ عُودُوا. وَاشْتَدَّ عَلَى قُرَيْشٍ وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْخُرُوجِ عَلَى حَالِهَا، وَإِنَّمَا هَيَّجَهُ عَلَى ذَلِكَ هَرَبُ بَنِي أُمَيَّةَ وَتَفَرُّقُ الْقَوْمِ، فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ مَا قَالَ عَلِيٌّ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: نَقْضِي الَّذِي عَلَيْنَا وَلَا نُؤَخِّرُهُ، وَاللَّهِ إِنَّ عَلِيًّا لِمُسْتَغْنٍ بِرَأْيِهِ وَلَيَكُونَنَّ أَشَدَّ عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ غَيْرِهِ.

فَسَمِعَ ذَلِكَ فَخَطَبَهُمْ وَذَكَرُ فَضْلَهُمْ وَحَاجَتَهُ إِلَيْهِمْ وَنَظَرَهُ لَهُمْ وَقِيَامَهُ دُونَهُمْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ سُلْطَانِهِمْ (إِلَّا ذَاكَ) وَالْأَجْرُ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَنَادَى: بَرِئَتِ الذِّمَّةُ مِنْ عَبْدٍ لَا يَرْجِعُ إِلَى مَوْلَاهُ. فَتَذَامَرَتِ السَّبِيئَةُ وَالْأَعْرَابُ وَقَالُوا: لَنَا غَدًا مِثْلُهَا وَلَا نَسْتَطِيعُ نَحْتَجُّ فِيهِمْ بِشَيْءٍ. وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَخْرِجُوا عَنْكُمُ الْأَعْرَابَ فَلْيَلْحَقُوا بِمِيَاهِهِمْ، فَأَبَتِ السَّبِيئَةُ وَأَطَاعَهُمُ الْأَعْرَابُ. فَدَخَلَ عَلِيٌّ بَيْتَهُ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: دُونَكُمْ ثَأْرَكُمْ فَاقْتُلُوهُ. فَقَالَ: (عَشَوْا عَنْ ذَلِكَ) . فَقَالَ: هُمْ وَاللَّهِ بَعْدَ الْيَوْمِ أَعْشَى! وَقَالَ:

وَلَوْ أَنَّ قَوْمِي طَاوَعَتْنِي سُرَاتُهُمْ ... أَمَرْتُهُمُ أَمْرًا يُدِيخُ الْأَعَادِيَا

وَقَالَ طَلْحَةُ: دَعْنِي آتِ الْبَصْرَةَ فَلَا يَفْجَأُكَ إِلَّا وَإِنَّا فِي خَيْلٍ. وَقَالَ الزُّبَيْرُ: دَعْنِي آتِ الْكُوفَةَ فَلَا يَفْجَأُكَ إِلَّا وَأَنَا فِي خَيْلٍ. فَقَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ فِي ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>