جُزِيتِ عَنَّا أُمَّنَا عُقُوقًا. وَقَالَ الْآخَرُ: يَا أُمِّي تُوبِي فَقَدْ أَخْطَأْتِ. فَبَعَثَ الْقَعْقَاعَ بْنَ عَمْرٍو إِلَى الْبَابِ، فَأَقْبَلَ بِمَنْ كَانَ عَلَيْهِ، فَأَحَالُوا عَلَى رَجُلَيْنِ مَنْ أَزْدِ الْكُوفَةِ، وَهَمَا: عَجْلَانُ وَسَعْدٌ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ، فَضَرَبَهُمَا مِائَةَ سَوْطٍ وَأَخْرَجَهُمَا مِنْ ثِيَابِهِمَا.
وَسَأَلَتْ عَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ عَمَّنْ قُتِلَ مِنَ النَّاسِ مِنْهُمْ مَعَهَا وَمِنْهُمْ عَلَيْهَا، وَالنَّاسُ عِنْدَهَا، فَكُلَّمَا نُعِيَ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمِيعِ قَالَتْ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ. فَقِيلَ لَهَا: كَيْفَ ذَلِكَ؟
قَالَتْ: كَذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فُلَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفُلَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونُ أَحَدٌ نَقَّى قَلْبَهُ لِلَّهِ مِنْ هَؤُلَاءِ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ.
ثُمَّ جَهَّزَ عَلِيٌّ عَائِشَةَ بِكُلِّ مَا يَنْبَغِي لَهَا مِنْ مَرْكَبٍ وَزَادٍ وَمَتَاعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبَعَثَ مَعَهَا كُلَّ مَنْ نَجَا مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهَا إِلَّا مَنْ أَحَبَّ الْمُقَامَ، وَاخْتَارَ لَهَا أَرْبَعِينَ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ الْبَصْرَةِ الْمَعْرُوفَاتِ، وَسَيَّرَ مَعَهَا أَخَاهَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي ارْتَحَلَتْ فِيهِ أَتَاهَا عَلِيٌّ فَوَقَفَ لَهَا، وَحَضَرَ النَّاسُ، فَخَرَجَتْ وَوَدَّعَتْهُمْ وَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ لَا يَعْتِبْ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَلِيٍّ فِي الْقَدِيمِ إِلَّا مَا يَكُونُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ أَحْمَائِهَا، وَإِنَّهُ عَلَى مَعْتَبَتِي لَمِنَ الْأَخْيَارِ. وَقَالَ عَلِيٌّ: صَدَقْتِ، وَاللَّهِ مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا إِلَّا ذَاكَ، وَإِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَخَرَجَتْ يَوْمَ السَّبْتِ غُرَّةَ رَجَبٍ، وَشَيَّعَهَا أَمْيَالًا وَسَرَّحَ بَنِيهِ مَعَهَا يَوْمًا، فَكَانَ وَجْهُهَا إِلَى مَكَّةَ، فَأَقَامَتْ إِلَى الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ لَهَا عَمَّارٌ حِينَ وَدَّعَهَا: مَا أَبْعَدَ هَذَا الْمَسِيرَ مِنَ الْعَهْدِ الَّذِي عُهِدَ إِلَيْكِ! قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنَّكَ مَا عَلِمْتُ لَقَوَّالٌ بِالْحَقِّ. قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَضَى عَلَى لِسَانِكِ لِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute