وَإِنَّهُ عَلَى مَسَرَّتِكَ لَحَرِيصٌ. فَقَالَ عَلِيٌّ: امْشِ أَمَامِي! فَمَشَى مَعَهُ إِلَى أَبِيهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ قَالَ لَهُ: تَقَاعَدْتَ بِي وَتَرَبَّصْتَ؟ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ وَقَالَ: هَذَا وَجَعٌ بَيِّنٌ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَقَبِلَ عُذْرَهُ، وَأَرَادَهُ عَلَى الْبَصْرَةِ، فَامْتَنَعَ وَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِكَ يَسْكُنُ إِلَيْهِ النَّاسُ وَسَأُشِيرُ عَلَيْهِ. فَافْتَرَقَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَوَلَّى زِيَادًا عَلَى الْخَرَاجِ وَبَيْتِ الْمَالِ، وَأَمْرَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ وَيُطِيعَ، وَكَانَ زِيَادٌ مُعْتَزِلًا، ثُمَّ رَاحَ إِلَى عَائِشَةَ، وَهِيَ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ، وَهِيَ أَعْظَمُ دَارٍ بِالْبَصْرَةِ، فَوَجَدَ النِّسَاءَ يَبْكِينَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَعُثْمَانَ ابْنَيْ خَلَفٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ قُتِلَ مَعَ عَائِشَةَ، وَعُثْمَانُ قُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَتْ صَفِيَّةُ زَوْجَةُ عَبْدِ اللَّهِ مُخْتَمِرَةً تَبْكِي، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ لَهُ: يَا عَلِيُّ! يَا قَاتِلَ الْأَحِبَّةِ! يَا مُفَرِّقَ الْجَمْعِ! أَيْتَمَ اللَّهُ مِنْكَ بَنِيكَ كَمَا أَيْتَمْتَ وَلَدَ عَبْدِ اللَّهِ مِنْهُ! فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا. وَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَقَعَدَ عِنْدَهَا، ثُمَّ قَالَ: جَبَهَتْنَا صَفِيَّةُ، أَمَا إِنِّي لَمْ أَرَهَا مُنْذُ كَانَتْ جَارِيَةً.
فَلَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ أَعَادَتْ عَلَيْهِ الْقَوْلَ، فَكَفَّ بَغْلَتَهُ وَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَفْتَحَ هَذَا الْبَابَ، وَأَشَارَ إِلَى بَابٍ فِي الدَّارِ، وَأَقْتُلَ مَنْ فِيهِ، وَكَانَ فِيهِ نَاسٌ مِنَ الْجَرْحَى، فَأُخْبِرَ عَلِيٌّ بِمَكَانِهِمْ، فَتَغَافَلَ عَنْهُمْ فَسَكَتَ، وَكَانَ مَذْهَبُهُ أَنْ لَا يَقْتُلَ مُدْبِرًا، وَلَا يُذَفِّفُ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يَكْشِفُ سِتْرًا، وَلَا يَأْخُذُ مَالًا.
وَلَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِ عَائِشَةَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَزْدٍ: وَاللَّهِ لَا تَغْلِبُنَا هَذِهِ الْمَرْأَةُ! فَغَضِبَ وَقَالَ: مَهْ! لَا تَهْتِكُنَّ سِتْرًا، وَلَا تَدْخُلُنَّ دَارًا، وَلَا تُهَيِّجُنَّ امْرَأَةً بِأَذًى، وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ، وَسَفَّهْنَ أُمَرَاءَكُمْ وَصُلَحَاءَكُمْ، فَإِنَّ النِّسَاءَ ضَعِيفَاتٌ، وَلَقَدْ كُنَّا نُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وَهُنَّ مُشْرِكَاتٌ، (فَكَيْفَ إِذَا هُنَّ مُسْلِمَاتٌ) ؟
وَمَضَى عَلِيٌّ، فَلَحِقَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَامَ رَجُلَانِ عَلَى الْبَابِ فَتَنَاوَلَا مَنْ هُوَ أَمْضُّ شَتِيمَةً لَكَ مِنْ صَفِيَّةَ. قَالَ: وَيْحَكَ لَعَلَّهَا عَائِشَةُ! قَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَحَدُهُمَا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute