لِصَلَاتِهِمْ. وَمَرَّ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ صَرِيعٌ فَقَالَ: لَهْفِي عَلَيْكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ أَرَى قُرَيْشًا صَرْعَى، أَنْتَ وَاللَّهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
فَتًى كَانَ يُدْنِيهِ الْغِنَى مِنْ صَدِيقِهِ
إِذَا مَا هُوَ اسْتَغْنَى وَيُبْعِدُهُ الْفَقْرُ
وَجَعَلَ كُلَّمَا مَرَّ بِرَجُلٍ فِيهِ خَيْرٌ قَالَ: زَعَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا إِلَّا الْغَوْغَاءُ وَهَذَا الْعَابِدُ الْمُجْتَهِدُ فِيهِمْ. وَصَلَّى عَلِيٌّ عَلَى الْقَتْلَى مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ، وَصَلَّى عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَأَمَرَ فَدُفِنَتِ الْأَطْرَافُ فِي قَبْرٍ عَظِيمٍ، وَجَمَعَ مَا كَانَ فِي الْعَسْكَرِ مِنْ شَيْءٍ وَبَعْثَ بِهِ إِلَى مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ وَقَالَ: مَنْ عَرَفَ شَيْئًا فَلْيَأْخُذْهُ، إِلَّا سِلَاحًا كَانَ فِي الْخَزَائِنِ عَلَيْهِ سِمَةُ السُّلْطَانِ. وَكَانَ جَمِيعُ الْقَتْلَى عَشَرَةَ آلَافٍ، نِصْفُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، وَنِصْفُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ عَائِشَةَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَقُتِلَ مِنْ ضَبَّةَ أَلْفُ رَجُلٍ، وَقُتِلَ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ حَوْلَ الْجَمَلِ سَبْعُونَ رَجُلًا، كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، سِوَى الشَّبَابِ وَمَنْ لَمْ يَقْرَأْ. وَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ مِنَ الْوَقْعَةِ أَتَاهُ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ فِي بَنِي سَعِدٍ، وَكَانُوا قَدِ اعْتَزَلُوا الْقِتَالَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: تَرَبَّصْتَ؟ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَانِي إِلَّا وَقَدْ أَحْسَنْتُ، وَبِأَمْرِكَ كَانَ مَا كَانَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَارْفُقْ فَإِنَّ طَرِيقَكَ الَّذِي سَلَكَتَ بِعِيدٌ، وَأَنْتَ إِلَيَّ غَدًا أَحْوَجُ مِنْكَ أَمْسِ، فَاعْرِفْ إِحْسَانِي وَاسْتَصْفِ مَوَدَّتِي لِغَدٍ، وَلَا تَقُلْ مِثْلَ هَذَا، فَإِنِّي لَمْ أَزَلْ لَكَ نَاصِحًا.
ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ الْبَصْرَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَبَايَعَهُ أَهْلُهَا عَلَى رَايَاتِهِمْ حَتَّى الْجَرْحَى وَالْمُسْتَأْمِنَةُ، وَأَتَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ فِي الْمُسْتَأْمِنِينَ أَيْضًا فَبَايَعَهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ [وَمَا] عَمِلَ الْمُتَرَبِّصُ الْمُتَقَاعِدُ بِي أَيْضًا؟ يَعْنِي أَبَاهُ أَبَا بَكْرَةَ! فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَرِيضٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute