عَلَيْهَا لَاسْتَقَلَّتْ بِهِمْ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِنَانٍ الْكَاهِلِيُّ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجَمَلِ تَرَامَيْنَا بِالنَّبْلِ حَتَّى فَنِيَتْ، وَتَطَاعَنَّا بِالرِّمَاحِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ، وَتَشَبَّكَتْ فِي صُدُورِنَا وَصُدُورِهِمْ، حَتَّى لَوْ سُيِّرَتْ عَلَيْهَا الْخَيْلُ لَسَارَتْ. ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: السُّيُوفُ يَا بَنِي الْمُهَاجِرِينَ! فَمَا شُبِّهَتْ أَصْوَاتُهَا إِلَّا بِضَرْبِ الْقَصَّارِينَ.
وَعَلِمَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالْوَقْعَةِ يَوْمَ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ مِنْ نَسْرٍ مَرَّ بِمَاءٍ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ شَيْءٌ مُعَلَّقٌ، فَسَقَطَ مِنْهُ، فَإِذَا كَفٌّ فِيهِ خَاتَمٌ نَقْشُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَتَّابٍ. وَعَلِمَ مَنْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ بِالْوَقْعَةِ بِمَا يَنْقِلُ إِلَيْهِمُ النُّسُورُ مِنَ الْأَيْدِي وَالْأَقْدَامِ.
وَأَرَادَ عَلِيٌّ الْمُقَامَ بِالْبَصْرَةِ لِإِصْلَاحِ حَالِهَا، فَأَعْجَلَتْهُ السَّبَئِيَّةُ عَنِ الْمُقَامِ، فَإِنَّهُمُ ارْتَحَلُوا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَارْتَحَلَ فِي آثَارِهِمْ لِيَقْطَعَ عَلَيْهِمْ أَمْرًا إِنْ أَرَادُوهُ.
[رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ]
وَقَدْ قِيلَ فِي سَبَبِ الْقِتَالِ يَوْمَ الْجَمَلِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَسِيرِ أَصْحَابِ عَائِشَةَ وَنُزُولِهِمُ الْبَصْرَةَ وَالْوَقْعَةُ الْأُولَى مَعَ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ وَحُكَيْمٍ.
وَأَمَّا مَسِيرُ عَلِيٍّ وَعَزْلُ أَبِي مُوسَى فَقِيلَ فِيهِ: إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَرْسَلَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى أَبِي مُوسَى، وَجَرَى لَهُ مَا تَقَدَّمَ سَارَ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى عَلِيٍّ بِالرَّبَذَةِ، فَأَعْلَمَهُ الْحَالَ، فَأَعَادَهُ عَلِيٌّ إِلَى أَبِي مُوسَى يَقُولُ لَهُ: أَرْسِلِ النَّاسَ، فَإِنِّي لَمْ أُوَلِّكَ إِلَّا لِتَكُونَ مِنْ أَعْوَانِي عَلَى الْحَقِّ. فَامْتَنَعَ أَبُو مُوسَى، فَكَتَبَ هَاشِمٌ إِلَى عَلِيٍّ: إِنِّي قَدِمْتُ عَلَى رَجُلٍ غَالٍ مُشَاقِقٍ ظَاهِرِ الشَّنَآنِ، وَأَرْسَلَ الْكِتَابَ مَعَ الْمُحِلِّ بْنِ خَلِيفَةَ الطَّائِيِّ، فَبَعَثَ عَلِيٌّ: الْحَسَنَ ابْنَهُ، وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَسْتَنْفِرَانِ النَّاسَ، وَبَعَثَ قَرَظَةَ بْنَ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيَّ أَمِيرًا، وَكَتَبَ مَعَهُ إِلَى أَبِي مُوسَى: إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ الْحَسَنَ وَعَمَّارًا يَسْتَنْفِرَانِ النَّاسَ، وَبَعَثْتُ قَرَظَةَ بْنَ كَعْبٍ وَالِيًا عَلَى الْكُوفَةِ، فَاعْتَزِلْ عَمَلَنَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَإِنِّي قَدْ أَمَرْتُهُ أَنْ يُنَابِذَكَ، فَإِنْ نَابَذْتَهُ فَظَفِرَ بِكَ يُقَطِّعْكَ إِرَبًا إِرَبًا. فَلَمَّا قَدِمَ الْكِتَابُ عَلَى أَبِي مُوسَى اعْتَزَلَ، وَاسْتَنْفَرَ الْحَسَنُ النَّاسَ، فَنَفَرُوا نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. وَسَارَ عَلِيٌّ نَحْوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute