الْبَصْرَةِ، فَقَالَ جَوْنُ بْنُ قَتَادَةَ: كُنْتُ مَعَ الزُّبَيْرِ فَجَاءَ فَارِسٌ يَسِيرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدْ أَتَوْا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ أَرَ أَرَثَّ سِلَاحًا، وَلَا أَقَلَّ عَدَدًا، وَلَا أَرْعَبَ قُلُوبًا مِنْهُمْ. ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، وَجَاءَ فَارِسٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ بَلَغُوا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَسَمِعُوا بِمَا جَمَعَ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، فَخَافُوا فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِيهًا عَنْكَ! فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَجِدْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَّا الْعَرْفَجَ لَدَبَّ إِلَيْنَا فِيهِ، فَانْصَرَفَ.
وَجَاءَ فَارِسٌ، وَقَدْ كَادَتِ الْخَيْلُ تَخْرُجُ مِنَ الرَّهَجِ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ قَدْ أَتَوْكَ، فَلَقَيْتُ عَمَّارًا فَقُلْتُ لَهُ وَقَالَ لِي. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ! فَقَالَ الرَّجُلُ: بَلَى وَاللَّهِ إِنَّهُ لَفِيهِمْ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهِمْ. فَقَالَ الرَّجُلُ: بَلَى وَاللَّهِ. فَلَمَّا كَرَّرَ عَلَيْهِ أَرْسَلَ الزُّبَيْرُ رَجُلَيْنِ يَنْظُرَانِ، فَانْطَلَقَا ثُمَّ رَجَعَا فَقَالَا: صَدَقَ الرَّجُلُ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: يَا جَدْعَ أَنْفَاهُ! يَا قَطْعَ ظَهْرَاهُ! ثُمَّ أَخَذَتْهُ رَعْدَةٌ فَجَعَلَ السِّلَاحُ يَنْتَفِضُ. قَالَ جَوْنٌ: فَقُلْتُ ثَكِلَتْنِي أُمِّي! هَذَا الَّذِي كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَمُوتَ مَعَهُ أَوْ أَعِيشَ، مَا أَخَذَ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا لِشَيْءٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَانْصَرَفَ جَوْنٌ فَاعْتَزَلَ، وَجَاءَ عَلِيٌّ، فَلَمَّا تَوَاقَفَ النَّاسُ دَعَا الزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ فَتَوَاقَفُوا، وَذَكَرَ مِنْ أَمْرِ الزُّبَيْرِ وَعَوْدِهِ وَتَكْفِيرِهِ عَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ، فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا الْقِتَالَ قَالَ عَلِيٌّ: أَيُّكُمْ يَأْخُذُ هَذَا الْمُصْحَفَ يَدْعُوهُمْ إِلَى مَا فِيهِ، فَإِنْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَخَذَهُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، فَإِنْ قُطِعَتْ أَخَذَهُ بِأَسْنَانِهِ وَهُوَ مَقْتُولٌ؟ فَقَالَ شَابٌّ: أَنَا. فَطَافَ بِهِ عَلَى أَصْحَابِهِ فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَّا ذَلِكَ الشَّابُّ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ، فَدَعَاهُمْ، فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، فَأَخَذَهُ بِالْيُسْرَى، فَقُطِعَتْ، فَأَخَذَهُ بِصَدْرِهِ وَالدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى قَبَائِهِ، فَقُتِلَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: الْآنَ حَلَّ قِتَالُهُمْ. فَقَالَتْ أُمُّ الْفَتَى:
لَاهُمَّ إِنَّ مُسْلِمًا دَعَاهُمْ ... يَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ لَا يَخْشَاهُمْ
وَأُمُّهُمْ قَائِمَةٌ تَرَاهُمْ ... تَأْمُرُهُمْ بِالْقَتْلِ لَا تَنْهَاهُمْ
قَدْ خُضِبَتْ مِنْ عَلَقٍ لِحَاهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute