وَحَمَلَتْ مَيْمَنَةُ عَلِيٍّ عَلَى مَيْسَرَتِهِمْ، فَاقْتَتَلُوا، فَلَاذَ النَّاسُ بِعَائِشَةَ، وَكَانَ أَكْثَرُهُمْ مِنْ ضَبَّةَ وَالْأَزْدِ، وَكَانَ قِتَالُهُمْ مِنَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ إِلَى قَرِيبٍ مِنَ الْعَصْرِ ثُمَّ انْهَزَمُوا، وَنَادَى رَجُلٌ مِنَ الْأَزْدِ: كِرُّوا، فَضَرَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ فَقَطَعَ يَدَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَزْدِ فِرُّوا وَاسْتَحَرَّ الْقَتْلُ فِي الْأَزْدِ فَنَادَوْا: نَحْنُ عَلَى دِينِ عَلِيٍّ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ:
سَائِلْ بِنَا حِينَ لَقِينَا الْأَزْدَا ... وَالْخَيْلُ تَعْدُو أَشْقَرًا وَوِرْدَا
لَمَّا قَطَعْنَا كِبْدَهُمْ وَالزَّنْدَا ... سُحْقًا لَهُمْ فِي رَأْيِهِمْ وَبُعْدَا
وَحَمَلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ عَلَى الزُّبَيْرِ، فَجَعَلَ يَحُوزُهُ بِالرُّمْحِ، فَقَالَ: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي يَا أَبَا الْيَقْظَانِ؟ فَقَالَ: لَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، انْصَرِفْ، فَانْصَرَفَ، وَجُرِحَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْجَرْحَى ثُمَّ بَرِأَ. وَعُقِرَ الْجَمَلُ، وَاحْتَمَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَائِشَةَ فَأَنْزَلَهَا، وَضَرَبَ عَلَيْهَا قُبَّةً، فَوَقَفَ عَلِيٌّ عَلَيْهَا وَقَالَ لَهَا: اسْتَنْفَرْتِ النَّاسَ وَقَدْ فَرُّوا، وَأَلَّبْتِ بَيْنَهُمْ حَتَّى قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فِي كَلَامٍ كَثِيرٍ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ، نِعْمَ مَا ابْتَلَيْتَ قَوْمَكَ الْيَوْمَ! فَسَرَّحَهَا وَأَرْسَلَ مَعَهَا جَمَاعَةً مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَجَهَّزَهَا بِمَا تَحْتَاجُ.
لَمْ أَذْكُرْ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ إِلَّا مَا ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ، إِذْ كَانَ أَوْثَقَ مَنْ نَقَلَ التَّارِيخَ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ حَشَوَا تَوَارِيخَهُمْ بِمُقْتَضَى أَهْوَائِهِمْ.
وَمِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخُو طَلْحَةَ، لَهُ صُحْبَةٌ. وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، لَهُ صُحْبَةٌ. وَفِيهَا قُتِلَ الْمُحْرِزُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمَّسٍ، لَهُ صُحْبَةٌ، وَاسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى مَكَّةَ ثُمَّ عَزَلَهُ. وَفِيهَا قُتِلَ مُعَرِّضُ بْنُ عِلَاطٍ السُّلَمِيُّ أَخُو الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ، قُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ، وَفِيهَا قُتِلَ مُجَاشِعٌ وَمُجَالِدٌ ابْنَا مَسْعُودٍ السُّلَمِيَّانِ مَعَ عَائِشَةَ، لَهُمَا صُحْبَةٌ، فَأَمَّا مُجَاشِعٌ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ قُتِلَ فِي الْجَمَلِ. وَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ الْأَسَدِيُّ الْقُرَشِيُّ مَعَ عَائِشَةَ، وَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute