مِنْ تَخَلُّفِهِ عَنْ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ، وَقَدِمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ، فَاسْتَشَارَ عَمْرًا، فَقَالَ: أَمَّا إِذَا سَارَ عَلِيٌّ فَسِرْ إِلَيْهِ بِنَفْسِكَ، وَلَا تَغِبْ عَنْهُ بِرَأْيِكَ وَمَكِيدَتِكَ. فَتَجَهَّزَ مُعَاوِيَةُ وَتَجَهَّزَ النَّاسُ وَحَضَّهُمْ عَمْرٌو وَضَعَّفَ عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ وَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ قَدْ فَرَّقُوا جَمْعَهُمْ، وَوَهَّنُوا شَرِكَتَهُمْ، وَفَلُّوا حَدَّهُمْ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ مُخَالِفُونَ لِعَلِيٍّ بِمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ، وَقَدْ تَفَانَتْ صَنَادِيدُهُمْ وَصَنَادِيدُ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَإِنَّمَا سَارَ عَلِيٌّ فِي شِرْذِمَةٍ قَلِيلَةٍ، وَقَدْ قُتِلَ خَلِيفَتُكُمْ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي حَقِّكُمْ أَنْ تُضَيِّعُوهُ، وَفِي دَمِكُمْ أَنْ تُطِلُّوهُ! وَكَتَّبَ مُعَاوِيَةُ أَهْلَ الشَّامِ، وَعَقْدَ لِوَاءً لِعَمْرٍو، وَلِوَاءً لِابْنَيْهِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ، وَلِوَاءً لِغُلَامِهِ وَرْدَانَ. وَعَقَدَ عَلِيٌّ لِوَاءً لِغُلَامِهِ قَنْبَرَ، فَقَالَ عَمْرٌو:
هَلْ يُغْنِيَنَّ وَرْدَانُ عَنِّي قَنْبَرَا ... وَتُغْنِيَ السَّكُونُ عَنِّي حِمْيَرَا
إِذَا الْكُمَاةُ لَبِسُوا السَّنَوَّرَا
فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ:
لَأُصْبِحَنَّ الْعَاصِيَ ابْنَ الْعَاصِي ... سَبْعِينَ أَلْفًا عَاقِدِي النَّوَاصِي
مُجَنِّبِينَ الْخَيْلَ بِالْقِلَاصِ ... مُسْتَحْقِبَيْنِ حِلَقَ الدِّلَاصِ
فَلَمَّا سَمِعَ مُعَاوِيَةُ ذَلِكَ قَالَ: مَا أَرَى عَلِيًّا إِلَّا وَقَدْ وَفَى لَكَ. وَسَارَ مُعَاوِيَةُ وَتَأَنَّى فِي مَسِيرِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بَعَثَ إِلَيْهِ يَقُولُ:
أَلَا أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ ... فَإِنَّكَ مِنْ أَخِي ثِقَةٍ مُلِيمُ
قَطَعْتَ الدَّهْرَ كَالسَّدِمِ الْمُعَنَّى ... تُهَدِّرُ فِي دِمَشْقَ فَمَا تَرِيمُ
وَإِنَّكَ وَالْكِتَابَ إِلَى عَلِيٍّ ... كَدَابِغَةٍ وَقَدْ حَلِمَ الْأَدِيمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute