أَبْيَضُ جَحْجَاحٌ لَهُ رُوَاقٌ ... إِنَّ الْأُولَى جَارَوْكَ لَا أَفَاقُوا
لَكُمْ سِبَاقٌ وَلَهُمْ سِبَاقٌ ... قَدْ عَلِمَتْ ذَلِكُمُ الرِّفَاقُ
وَوَجَّهَ عَلِيٌّ مِنَ الْمَدَائِنِ مَعْقِلَ بْنَ قَيْسٍ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَأَمْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الْمَوْصِلِ حَتَّى يُوَافِيَهُ عَلَى الرَّقَّةِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الرَّقَّةِ قَالَ لِأَهْلِهَا لِيَعْمَلُوا لَهُ جِسْرًا يَعْبُرُ عَلَيْهِ إِلَى الشَّامِ، فَأَبَوْا، وَكَانُوا قَدْ ضَمُّوا سُفُنَهُمْ إِلَيْهِمْ، فَنَهَضَ مَنْ عِنْدِهِمْ لِيَعْبُرَ عَلَى جِسْرِ مَنْبِجَ، وَخَلَّفَ عَلَيْهِمُ الْأَشْتَرَ، فَنَادَاهُمُ الْأَشْتَرُ وَقَالَ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَعْمَلُوا جِسْرًا يَعْبُرُ عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِأُجَرِّدَنَّ فِيكُمُ السَّيْفَ، وَلَأَقْتُلَنَّ الرِّجَالَ، وَلَآخُذَنَّ الْأَمْوَالَ! فَلَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَقَالُوا: إِنَّهُ الْأَشْتَرُ، وَإِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يَفِيَ لَكُمْ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، أَوْ يَأْتِي بِأَكْثَرَ مِنْهُ. فَنَصَبُوا لَهُ جِسْرًا وَعَبَرَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، فَسَقَطَتْ قَلَنْسُوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحُصَيْنِ الْأَزْدِيِّ، فَنَزَلَ فَأَخَذَهَا، ثُمَّ رَكِبَ، وَسَقَطَتْ قَلَنْسُوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْأَزْدِيِّ، فَنَزَلَ فَأَخَذَهَا، ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِهِ:
فَإِنْ يَكُ ظَنُّ الزَّاجِرِي الطَّيْرَ صَادِقًا ... كَمَا زَعَمُوا أُقْتَلْ وَشِيكًا وَتُقْتَلُ
فَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحُصَيْنِ: مَا شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا ذَكَرْتَ! فَقُتِلَا جَمِيعًا بِصِفِّينَ.
وَلَمَّا بَلَغَ عَلِيٌّ الْفُرَاتَ دَعَا زِيَادَ بْنَ النَّضْرِ الْحَارِثِيَّ، وَشُرَيْحَ بْنَ هَانِئٍ فَسَرَّحَهُمَا أَمَامَهُ (فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا) نَحْوَ مُعَاوِيَةَ عَلَى حَالِهِمَا الَّتِي خَرَجَا عَلَيْهَا مِنَ الْكُوفَةِ. وَكَانَ سَبَبُ عَوْدِهِمَا إِلَيْهِ أَنَّهُمَا حَيْثُ سَيَّرَهُمَا عَلِيٌّ مِنَ الْكُوفَةِ أَخَذَا عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ يَلِي الْبَرَّ. فَلَمَّا بَلَغَا عَانَاتٍ بَلَغَهُمَا أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ أَقْبَلَ فِي جُنُودِ الشَّامِ، فَقَالَا: لَا وَاللَّهِ مَا هَذَا لَنَا بِرَأْيٍ نَسِيرُ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا الْبَحْرُ! وَمَا لَنَا خَيْرٌ فِي أَنْ نَلْقَى جُنُودَ الشَّامِ بِقِلَّةِ مَنْ مَعَنَا. فَذَهَبُوا لِيَعْبُرُوا مِنْ عَانَاتٍ، فَمَنَعَهُمْ أَهْلُهَا. فَرَجَعُوا فَعَبَرُوا مَنْ هِيتَ، فَلَحِقُوا عَلِيًّا دُونَ قَرْقِيسْيَا، فَلَمَّا لَحِقُوا عَلِيًّا قَالَ: مُقَدِّمَتِي تَأْتِينِي مِنْ وَرَائِي. فَأَخْبَرَهُ شُرَيْحٌ وَزِيَادٌ بِمَا كَانَ، فَقَالَ: سُدِّدْتُمَا. فَلَمَّا عَبَرَ الْفُرَاتَ سَيَّرَهُمَا أَمَامَهُ، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى سُورِ الرُّومِ لَقِيَهُمَا أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ فِي جُنْدٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَأَرْسَلَا إِلَى عَلِيٍّ فَأَعْلَمَاهُ، فَأَرْسَلَ عَلِيٌّ إِلَى الْأَشْتَرِ وَأَمَرَهُ بِالسُّرْعَةِ وَقَالَ لَهُ: إِذَا قَدِمْتَ فَأَنْتَ عَلَيْهِمْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَبْدَأَ الْقَوْمَ بِقِتَالٍ إِلَّا أَنْ يَبْدَءُوكَ حَتَّى تَلْقَاهُمْ فَتَدَعُوَهُمْ وَتَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَلَا يَحْمِلْكَ بُغْضُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ، وَالْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَاجْعَلْ عَلَى مَيْمَنَتِكَ زِيَادًا، وَعَلَى مَيْسَرَتِكَ شُرَيْحًا، وَلَا تَدْنُ مِنْهُمْ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ، وَلَا تُبَاعِدْ مِنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute