قَتَلَ خَلِيفَتَنَا، وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَآوَى ثَأْرَنَا، وَصَاحِبُكُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ، (فَنَحْنُ لَا نَرُدُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلْيَدْفَعْ إِلَيْنَا) قَتَلَةَ عُثْمَانَ لِنَقْتُلَهُمْ، وَنَحْنُ نُجِيبُكُمْ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ. فَقَالَ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ: أَيَسُرُّكَ يَا مُعَاوِيَةُ أَنْ تَقْتُلَ عَمَّارًا؟ فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ؟ لَوْ تَمَكَّنْتُ (مِنِ ابْنِ سُمَيَّةَ) لَقَتَلْتُهُ بِمَوْلَى عُثْمَانَ. فَقَالَ شَبَثٌ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرَهُ، لَا تَصِلُ إِلَى ذَلِكَ حَتَّى تَنْدُرَ الْهَامُ عَنِ الْكَوَاهِلِ، وَتَضِيقَ الْأَرْضُ الْفَضَاءُ عَلَيْكَ! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَتْ عَلَيْكَ أَضْيَقُ!
وَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادِ بْنِ خَصْفَةَ فَخَلَا بِهِ، وَقَالَ لَهُ: يَا أَخَا رَبِيعَةَ، إِنَّ عَلِيًّا قَطَعَ أَرْحَامَنَا، وَقَتَلَ إِمَامَنَا، وَآوَى قَتَلَةَ صَاحِبِنَا، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ النَّصْرَ عَلَيْهِ بِعَشِيرَتِكَ، ثُمَّ لَكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ، أَنِّي أُوَلِّيكَ إِذَا ظَهَرْتُ أَيَّ الْمِصْرَيْنِ أَحْبَبْتَ. فَقَالَ زِيَادٌ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، وَمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ! وَقَامَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: لَيْسَ نُكَلِّمُ رَجُلًا مِنْهُمْ فَيُجِيبُ إِلَى (خَيْرٍ، مَا) قُلُوبُهُمْ إِلَّا كَقَلْبٍ وَاحِدٍ.
وَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَلِيٍّ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيَّ، وَشُرَحْبِيلَ بْنَ السِّمْطِ، وَمَعْنَ بْنَ يَزِيدَ بْنَ الْأَخْنَسِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ حَبِيبٌ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ عُثْمَانَ كَانَ خَلِيفَةً مَهْدِيًّا يَعْمَلُ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيُنِيبُ إِلَى أَمْرِهِ، فَاسْتَثْقَلْتُمْ حَيَاتَهُ وَاسْتَبْطَأْتُمْ وَفَاتَهُ فَعَدَوْتُمْ عَلَيْهِ فَقَتَلْتُمُوهُ، فَادْفَعْ إِلَيْهِ قَتَلَةَ عُثْمَانَ إِنْ زَعَمَتَ أَنَّكَ لَمْ تَقْتُلْهُ [نَقْتُلْهُمْ بِهِ] ، ثُمَّ اعْتَزِلْ أَمْرَ النَّاسِ فَيَكُونُ أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ يُوَلُّونَهُ مَنْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ وَالْعَزْلَ وَهَذَا الْأَمْرَ؟ اسْكُتْ [فَإِنَّكَ] لَسْتَ هُنَاكَ وَلَا بِأَهْلٍ لَهُ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتَرَيَنِّي بِحَيْثُ تَكْرَهُ! فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: وَمَا أَنْتَ؟ لَا أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ إِنْ أَبْقَيْتَ عَلَيْنَا، اذْهَبْ فَصَوِّبْ وَصَعِّدْ مَا بَدَا لَكَ! وَقَالَ شُرَحْبِيلُ: مَا كَلَامِي إِلَّا مِثْلُ كَلَامِ صَاحِبِي، فَهَلْ عِنْدَكَ جَوَابٌ غَيْرَ هَذَا؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ عِنْدِي جَوَابٌ غَيْرَهُ.
ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعْثَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَقِّ ; فَأَنْقَذَ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْهَلَكَةِ، وَجَمَعَ بِهِ مِنَ الْفُرْقَةِ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، فَاسْتَخْلَفَ النَّاسُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute