للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدٌ إِلَّا (يَقِيهِ بِنَفْسِهِ) فَيَرُدُّهُ، فَبَصُرَ بِهِ أَحْمَرُ مَوْلَى أَبِي سُفْيَانَ أَوْ عُثْمَانَ، فَأَقْبَلَ نَحْوَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ كَيْسَانُ مَوْلَى عَلِيٍّ، فَاخْتَلَفَا بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَانِ، فَقَتَلَهُ أَحْمَرُ، فَأَخَذَ عَلِيٌّ بِجَيْبِ دِرْعِ أَحْمَرَ، فَجَذَبَهُ وَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ فَكَسَرَ مَنْكِبَيْهِ وَعَضُدَيْهِ، وَدَنَا مِنْهُ أَهْلُ الشَّامِ، فَمَا زَادَهُ قُرْبُهُمْ إِلَّا إِسْرَاعًا، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ: مَا ضَرَّكَ لَوْ سَعَيْتَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مِنْ أَصْحَابِكَ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ لِأَبِيكَ يَوْمًا لَا يَعْدُوهُ، وَلَا يُبْطِئُ بِهِ عَنْهُ السَّعْيُ، وَلَا يُعَجِّلُ بِهِ إِلَيْهِ الْمَشْيُ، إِنَّ أَبَاكَ وَاللَّهِ لَا يُبَالِي أَوَقَعَ عَلَى الْمَوْتِ، أَمْ وَقَعَ الْمَوْتُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى رَبِيعَةَ نَادَى بِصَوْتٍ عَالٍ كَغَيْرِ الْمُكْتَرِثِ لِمَا فِيهِ النَّاسِ: لِمَنْ هَذِهِ الرَّايَاتُ؟ قَالُوا: رَايَاتُ رَبِيعَةَ. قَالَ: بَلْ رَايَاتٌ عَصَمَ اللَّهُ أَهْلَهَا، فَصَبَّرَهُمْ وَثَبَّتَ أَقْدَامَهُمْ. وَقَالَ لِلْحُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ: يَا فَتَى أَلَا تُدْنِي رَايَتَكَ هَذِهِ ذِرَاعًا؟ قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ، وَعَشَرَةَ أَذْرُعٍ، فَأَدْنَاهَا حَتَّى قَالَ: حَسْبُكَ مَكَانَكَ. وَلَمَّا انْتَهَى عَلِيٌّ إِلَى رَبِيعَةَ تَنَادَوْا بَيْنَهُمْ: يَا رَبِيعَةَ إِنْ أُصِيبَ فِيكُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَفِيكُمْ رَجُلٌ حَيٌّ افْتَضَحْتُمْ فِي الْعَرَبِ! فَقَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا مَا قَاتَلُوا مِثْلَهُ، فَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ:

لِمَنْ رَايَةٌ سَوْدَاءُ يَخْفِقُ ظِلُّهَا ... إِذَا قِيلَ قَدَّمَهَا حُضِينُ تَقَدَّمَا

وَيُقَدِّمُهَا فِي الْمَوْتِ حَتَّى يُزِيرَهَا ... حِيَاضَ الْمَنَايَا تَقْطُرُ الْمَوْتَ وَالْدَّمَا

أَذَقْنَا ابْنَ حَرْبٍ طَعْنَنَا وَضِرَابَنَا ... بِأَسْيَافِنَا حَتَّى تَوَلَّى وَأَحْجَمَا

جَزَى اللَّهُ قَوْمًا صَابَرُوا فِي لِقَائِهِمْ ... لَدَى الْمَوْتِ قَوْمًا مَا أَعَفَّ وَأَكْرَمَا

وَأَطْيَبَ أَخْبَارًا وَأَكْرَمَ شِيمَةً ... إِذَا كَانَ أَصْوَاتُ الرِّجَالِ تَغَمْغُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>