للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَشِيرٍ فَقُتِلَا جَمِيعًا، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سُفْيَانُ، وَعَبْدُ اللَّهِ وَبَكْرُ بَنُو زَيْدٍ فَقُتِلُوا جَمِيعًا، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ وَهْبُ بْنُ كُرَيْبٍ، فَانْصَرَفَ هُوَ وَقَوْمُهُ وَهُمْ يَقُولُونَ: لَيْتَ لَنَا عِدَّتَنَا مِنَ الْعَرَبِ يُحَالِفُونَنَا عَلَى الْمَوْتِ، ثُمَّ نَرْجِعُ فَلَا نَنْصَرِفُ، أَوْ نَقْتُلُ أَوْ نَظْفَرُ! فَسَمِعَهُمُ الْأَشْتَرُ يَقُولُونَ هَذَا، فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا أُحَالِفُكُمْ أَنْ لَا نَرْجِعَ أَبَدًا حَتَّى نَظْفَرَ أَوْ نَهْلَكَ. فَوَقَفُوا مَعَهُ، وَفِي هَذَا قَالَ كَعْبُ بْنُ جُعَيْلٍ:

وَهَمْدَانُ زُرْقٌ تَبْتَغِي مَنْ تُحَالِفُ

وَزَحَفَ الْأَشْتَرُ نَحْوَ الْمَيْمَنَةِ، وَثَابَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَتَرَاجَعُوا، مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَقْصِدْ كَتِيبَةً إِلَّا كَشَفَهَا، وَلَا جَمْعًا إِلَّا حَازَهُ وَرَدَّهُ، فَإِنَّهُ كَذَلِكَ إِذْ مَرَّ بِهِ زِيَادُ بْنُ النَّضْرِ الْحَارِثِيُّ يُحْمَلُ إِلَى الْعَسْكَرِ وَقَدْ صُرِعَ، وَسَبَبُهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ اسْتُلْحِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ وَأَصْحَابُهُ فِي الْمَيْمَنَةِ، فَتَقَدَّمَ زِيَادٌ إِلَيْهِمْ، وَرَفَعَ رَايَتَهُ لِأَهْلِ الْمَيْمَنَةِ، فَصَبَرُوا وَقَاتَلَ حَتَّى صُرِعَ. ثُمَّ مَرُّوا بِيَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ الْأَرْحَبِيِّ مَحْمُولًا نَحْوَ الْعَسْكَرِ، وَكَانَ قَدْ رَفَعَ رَايَتَهُ لِأَهْلِ الْمَيْمَنَةِ لَمَّا صُرِعَ زِيَادٌ وَقَاتَلَ حَتَّى صُرِعَ، فَقَالَ الْأَشْتَرُ (حِينَ رَآهُ) : هَذَا وَاللَّهِ الصَّبْرُ الْجَمِيلُ وَالْفِعْلُ الْكَرِيمُ، أَلَا يَسْتَحِي الرَّجُلُ أَنْ يَنْصَرِفَ وَلَا يُقْتَلَ. (أَوْ يُشْفَى بِهِ عَلَى الْقَتْلِ) ؟ وَقَاتَلَهُمُ الْأَشْتَرُ قِتَالًا شَدِيدًا، وَلَزِمَهُ الْحَارِثُ بْنُ جَمْهَانَ الْجُعْفِيُّ يُقَاتِلُ مَعَهُ، فَمَا زَالَ هُوَ وَمَنْ رَجَعَ إِلَيْهِ يُقَاتِلُونَ، حَتَّى كَشَفَ أَهْلَ الشَّامِ، وَأَلْحَقَهُمْ بِمُعَاوِيَةَ وَالصَّفِّ الَّذِي مَعَهُ بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ، وَانْتَهَى إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلٍ وَهُوَ فِي عِصَابَةٍ مِنَ الْقُرَّاءِ نَحْوَ الْمِائَتَيْنِ أَوِ الثَّلَاثِمِائَةٍ، قَدْ لَصِقُوا بِالْأَرْضِ كَأَنَّهُمْ جُثًا، فَكَشَفَ عَنْهُمْ أَهْلُ الشَّامِ، فَأَبْصَرُوا إِخْوَانَهُمْ فَقَالُوا: مَا فَعَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالُوا: حَيٌّ صَالِحٌ فِي الْمَيْسَرَةِ، يُقَاتِلُ النَّاسَ أَمَامَهُ. فَقَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ! قَدْ كُنَّا ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ وَهَلَكْتُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>