وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ [لِأَصْحَابِهِ] : اسْتَقْدِمُوا بِنَا. فَقَالَ الْأَشْتَرُ: لَا تَفْعَلْ وَاثْبُتْ مَعَ النَّاسِ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَهُمْ وَأَبْقَى لَكَ وَلِأَصْحَابِكَ. فَأَبَى وَمَضَى كَمَا هُوَ نَحْوَ مُعَاوِيَةَ، وَحَوْلَهُ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ وَبِيَدِهِ سَيْفَانُ، وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ أَمَامَ أَصْحَابِهِ يَقْتُلُ كُلَّ مَنْ دَنَا مِنْهُ حَتَّى قَتَلَ جَمَاعَةً، وَدَنَا مِنْ مُعَاوِيَةَ، فَنَهَضَ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَأُحِيطَ بِهِ وَبِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَقُتِلَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَرَجَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مُجَرَّحِينَ. فَبَعَثَ الْأَشْتَرُ الْحَارِثَ بْنَ جَمْهَانَ الْجُعْفِيَّ، فَحَمَلَ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَنِ انْهَزَمَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى نَفَّسُوا عَنْهُمْ، وَانْتَهَوْا إِلَى الْأَشْتَرِ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ رَأَى ابْنَ بُدَيْلٍ وَهُوَ يِضْرِبُ قُدُمًا، فَقَالَ: أَتَرَوْنَهُ كَبْشَ الْقَوْمِ؟ فَلَمَّا قُتِلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ لِيَنْظُرُوا مَنْ هُوَ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ أَهْلُ الشَّامِ فَجَاءَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ عَرَفَهُ فَقَالَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ، وَاللَّهِ لَوِ اسْتَطَاعَتْ نِسَاءُ خُزَاعَةَ لَقَاتَلَتْنَا فَضْلًا عَنْ رِجَالِهَا! وَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ حَاتِمٍ:
أَخُو الْحَرْبِ إِنْ عَضَّتْ بِهِ الْحَرْبُ عَضَّهَا ... وَإِنْ شَمَّرَتْ يَوْمًا بِهِ الْحَرْبُ شَمَّرَا
وَزَحَفَ الْأَشْتَرُ بِعَكٍّ وَالْأَشْعَرِينَ (وَقَالَ لِمَذْحِجٍ: اكْفُونَا عَكًّا، وَوَقَفَ فِي هَمْدَانَ وَقَالَ لِكِنْدَةَ: اكْفُونَا الْأَشْعَرِينَ) ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا إِلَى الْمَسَاءِ، وَقَاتَلَهُمُ الْأَشْتَرُ فِي هَمْدَانَ، وَطَوَائِفَ مِنَ النَّاسِ، فَأَزَالَ أَهْلَ الشَّامِ (عَنْ مَوَاضِعِهِمْ) حَتَّى أَلْحَقَهُمْ بِالصُّفُوفِ الْخَمْسَةِ الْمُعَقَّلَةِ بِالْعَمَائِمِ حَوْلَ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ حَمْلَةً أُخْرَى، فَصَرَعَ أَرْبَعَةَ صُفُوفٍ مِنَ الْمُعَقَّلِينَ بِالْعَمَائِمِ [حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْخَامِسِ الَّذِي حَوْلَهُ مُعَاوِيَةُ] ، وَدَعَا مُعَاوِيَةُ بِفَرَسِهِ فَرَكِبَ، وَكَانَ يَقُولُ: أَرَدْتُ أَنْ أَنْهَزِمَ فَذَكَرْتُ قَوْلَ ابْنِ الْإِطْنَابَةِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ جَاهِلِيًّا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute