حَدِيدٍ النُّمَيْرِيُّ وَهُوَ يَقُولُ: أَلَا إِنَّ مَرْعَى الدُّنْيَا أَصْبَحَ هَشِيمًا، وَشَجَرَهَا خَضِيدًا، وَجَدِيدَهَا سَمَلًا، وَحُلْوَهَا مُرَّ الْمَذَاقِ، إِنِّي قَدْ سَئِمْتُ الدُّنْيَا، وَعَزَفْتُ نَفْسِي عَنْهَا، وَإِنِّي أَتَمَنَّى الشَّهَادَةَ، وَأَتَعَرَّضُ لَهَا فِي كُلِّ جَيْشٍ وَغَارَةٍ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُبَلِّغَنِي هَذَا الْيَوْمَ، وَإِنِّي مُتَعَرِّضٌ لَهَا مِنْ سَاعَتِي هَذِهِ، وَقَدْ طَمِعْتُ أَنْ لَا أُحْرَمَهَا، فَمَا تَنْتَظِرُونَ عِبَادَ اللَّهِ بِجِهَادِ مَنْ عَادَى اللَّهَ؟ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ. وَقَالَ: يَا إِخْوَتِي قَدْ بِعْتُ هَذِهِ الدَّارَ بِالَّتِي أَمَامَهَا، وَهَذَا وَجْهِي إِلَيْهَا. فَتَبِعَهُ إِخْوَتُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَعَوْفٌ، وَمَالِكٌ، وَقَالُوا: لَا نَطْلُبُ رِزْقَ الدُّنْيَا بَعْدَكَ، فَقَاتَلُوا حَتَّى قُتِلُوا. وَتَقَدَّمَ (شَمِرُ) بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ فَبَارَزَ، فَضَرَبَ أَدْهَمُ بْنُ مُحْرِزٍ الْبَاهِلِيُّ بِالسَّيْفِ وَجْهَهُ، وَضَرْبَهُ شَمِرٌ فَلَمْ يَضُرَّهُ، فَعَادَ شَمِرٌ [إِلَى رَحْلِهِ] فَشَرِبَ مَاءً، وَكَانَ ظَمْآنَ، ثُمَّ أَخَذَ الرُّمْحَ ثُمَّ حَمَلَ عَلَى أَدْهَمَ فَصَرَعَهُ وَقَالَ: هَذِهِ بِتِلْكَ.
وَكَانَتْ رَايَةُ بَجِيلَةَ مَعَ أَبِي شَدَّادٍ قَيْسِ بْنِ هُبَيْرَةَ الْأَحْمَسِيِّ - وَهُوَ قَيْسُ بْنُ مَكْشُوحٍ، (وَمَكْشُوحٌ لَقَبٌ) - فَقَالَ لِقَوْمِهِ: وَاللَّهِ لَأَنْتَهِيَنَّ بِكُمْ إِلَى صَاحِبِ التُّرْسِ الْمُذَهَّبِ، وَكَانَ صَاحِبَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، فَقَاتَلَ النَّاسَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَشَدَّ بِسَيْفِهِ نَحْوَ صَاحِبِ التُّرْسِ، فَعَرَضَ لَهُ مَوْلًى رُومِيٌّ لِمُعَاوِيَةَ، فَضَرَبَ قَدَمَ أَبِي شَدَّادٍ فَقَطْعَهَا، وَضَرَبَهُ أَبُو شَدَّادٍ فَقَتَلَهُ، وَأُشْرِعَتْ إِلَيْهِ الرِّمَاحُ فَقُتِلَ، وَأَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قِلْعٍ الْأَحْمَسِيُّ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَفِيفُ بْنُ إِيَاسٍ، فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدِهِ حَتَّى تَحَاجَزَ النَّاسُ. وَقُتِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute