للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَازِمُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، أَخُو قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ يَوْمَئِذٍ، وَقُتِلَ أَبُوهُ أَيْضًا، لَهُ صُحْبَةٌ، وَنُعَيْمُ (بْنُ صُهَيْبِ بْنِ الْعَيْلَةِ) الْبَجَلِيُّونَ مَعَ عَلِيٍّ.

فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ مَيْمَنَةَ أَصْحَابِهِ قَدْ عَادَتْ إِلَى مَوَاضِعِهَا وَمَوَاقِفِهَا، وَكَشَفَتْ مَنْ بِإِزَائِهَا مِنْ عَدُوِّهَا حَتَّى ضَارَبُوهُمْ فِي مَوَاقِفِهِمْ وَمَرَاكِزِهِمْ، أَقْبَلَ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ جَوْلَتَكُمْ عَنْ صُفُوفِكُمْ، يَحُوزُكُمُ الْجُفَاةُ الطَّغَامُ، وَأَعْرَابُ الشَّامِ، وَأَنْتُمْ لَهَامِيمُ الْعَرَبِ، وَالسَّنَامُ الْأَعْظَمُ، وَعُمَّارُ اللَّيْلِ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَأَهْلُ دَعْوَةِ الْحَقِّ. فَلَوْلَا إِقْبَالُكُمْ بَعْدَ إِدْبَارِكُمْ، وَكَرِّكُمْ بَعْدَ انْحِيَازِكُمْ، لَوَجَبَ عَلَيْكُمْ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ [دُبُرَهُ] ، وَكُنْتُمُ الْهَالِكِينَ، وَلَكِنْ هَوَّنَ وَجْدِي، وَشَفَى أُحَاحَ نَفْسِي أَنِّي رَأَيْتُكُمْ بِأَخِرَةٍ حُزْتُمُوهُمْ كَمَا حَازُوكُمْ، وَأَزَلْتُمُوهُمْ عَنْ مَصَافِّهِمْ كَمَا أَزَالُوكُمْ، تَرْكَبُ أُولَاهُمْ أُخْرَاهُمْ كَالْإِبِلِ الْمَطْرُودَةِ الْهِيمِ، فَالْآنَ، فَاصْبِرُوا، فَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، وَثَبَّتَكُمُ اللَّهُ بِالْيَقِينِ، لِيَعْلَمَ الْمُنْهَزِمُ أَنَّهُ مُسْخِطٌ رَبَّهُ، وَمَوْبِقٌ نَفْسَهُ، فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ. وَكَانَ بِشْرُ بْنُ عِصْمَةَ الْمُرِّيُّ قَدْ لَحِقَ بِمُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا اقْتَتَلَ النَّاسُ بِصِفِّينَ نَظَرَ بِشْرٌ إِلَى مَالِكِ بْنِ الْعَقَدِيَّةِ الْجُشَمِيِّ، وَهُوَ يَفْتِكُ بِأَهْلِ الشَّامِ، فَاغْتَاظَ لِذَلِكَ، فَحَمَلَ عَلَى مَالِكٍ (وَتَجَاوَلَا سَاعَةً ثُمَّ طَعَنَهُ بِشْرُ بْنُ عِصْمَةَ) فَصَرَعَهُ، وَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ، وَقَدْ نَدِمَ عَلَى طَعْنَتِهِ إِيَّاهُ، وَكَانَ جَبَّارًا، فَقَالَ:

وَإِنِّي لَأَرْجُوَ مِنْ مَلِيكِي تَجَاوُزًا ... وَمِنْ صَاحِبِ الْمَوْسُومِ فِي الصَّدْرِ هَاجِسُ

دَلَفْتُ لَهُ تَحْتَ الْغُبَارِ بِطَعْنَةٍ ... عَلَى سَاعَةٍ فِيهَا الطِّعَانُ تَخَالُسُ

فَبَلَغَتْ مَقَالَتُهُ ابْنَ الْعَقَدِيَّةِ فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>