بِهِ، أَيَجْتَمِعُ الْحَكَمَانِ أَمْ لَا؟ فَقَالُوا: لَا. فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُهُ مِنْهُمَا. فَدَخَلَ عَلَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: كَيْفَ تَرَانَا مَعْشَرَ مَنِ اعْتَزَلَ الْحَرْبَ؟ فَإِنَّا قَدْ شَكَكْنَا فِي الْأَمْرِ الَّذِي اسْتَبَانَ لَكُمْ فِيهَا. فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَرَاكُمْ خَلْفَ الْأَبْرَارِ، أَمَامَ الْفُجَّارِ. فَانْصَرَفَ الْمُغِيرَةُ إِلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِهِ لِعَمْرٍو. فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَرَاكُمْ أَثْبَتَ النَّاسِ رَأْيًا، فِيكُمْ بَقِيَّةُ النَّاسِ. فَعَادَ الْمُغِيرَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ لَهُمْ: لَا يَجْتَمِعُ هَذَانِ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ.
فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْحَكَمَانِ قَالَ عَمْرٌو: يَا أَبَا مُوسَى أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا؟ قَالَ: أَشْهَدُ. قَالَ: أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَآلَ مُعَاوِيَةَ أَوْلِيَاؤُهُ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْهُ وَبَيْتُهُ فِي قُرَيْشٍ كَمَا قَدْ عَلِمْتَ؟ فَإِنْ خِفْتَ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: لَيْسَتْ لَهُ سَابِقَةٌ، فَقُلْ وَجَدْتُهُ وَلِيَّ عُثْمَانَ الْخَلِيفَةِ الْمَظْلُومِ وَالطَّالِبَ بِدَمِهِ، الْحَسَنَ السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ، وَهُوَ أَخُو أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَاتِبُهُ، وَقَدْ صَحِبَهُ، وَعَرَّضَ لَهُ بِسُلْطَانٍ.
فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا عَمْرُو اتَّقِ اللَّهَ! فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَرَفِ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى الشَّرَفِ تَوَلَّاهُ أَهْلُهُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الشَّرَفِ لَكَانَ لِآلِ أَبَرْهَةَ بْنِ الصَّبَّاحِ، إِنَّمَا هُوَ لِأَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ، مَعَ أَنِّي لَوْ كُنْتُ مُعْطِيَهُ أَفْضَلَ قُرَيْشٍ شَرَفًا أَعْطَيْتُهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ وَلِيُّ دَمِ عُثْمَانَ فَوَلِّهِ هَذَا الْأَمْرَ، فَلَمْ أَكُنْ لِأُوَلِّيَهُ وَأَدَعَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وَأَمَّا تَعْرِيضُكَ لِي بِالسُّلْطَانِ، فَوَاللَّهِ لَوْ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ لِي مِنْ سُلْطَانِهِ كُلِّهِ لَمَا وَلَّيْتُهُ، وَمَا كُنْتُ لِأَرْتَشِيَ فِي حُكْمِ اللَّهِ! وَلَكِنَّكَ إِنْ شِئْتَ أَحْيَيْنَا اسْمَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قَالَ لَهُ عَمْرٌو: فَمَا يَمْنَعُكَ مِنَ ابْنِي، وَأَنْتَ تَعْلَمُ فَضْلَهُ وَصَلَاحَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَكَ رَجُلُ صِدْقٍ، وَلَكِنَّكَ قَدْ غَمَسْتَهُ فِي هَذِهِ الْفِتْنَةِ. فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِرَجُلٍ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ، وَكَانَتْ فِي ابْنِ عُمَرَ غَفْلَةٌ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: افْطِنْ، فَانْتَبَهَ! فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَرْشُو عَلَيْهَا شَيْئًا أَبَدًا. وَقَالَ: يَا ابْنَ الْعَاصِ، إِنَّ الْعَرَبَ قَدْ أَسْنَدَتْ إِلَيْكَ أَمْرَهَا بَعْدَمَا تَقَارَعُوا بِالسُّيُوفِ فَلَا تَرُدَّنَّهُمْ فِي فِتْنَةٍ.
وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ عَوَّدَ أَبَا مُوسَى أَنْ يُقَدِّمَهُ فِي الْكَلَامِ، يَقُولُ لَهُ: أَنْتَ صَاحِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute