حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ) . وَقَالَ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ: تُبْ مِنْ خَطِيئَتِكَ، وَارْجِعْ عَنْ قَضِيَّتِكَ، وَاخْرُجْ بِنَا إِلَى عَدُوِّنَا نُقَاتِلْهُمْ حَتَّى نَلْقَى رَبَّنَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: قَدْ أَرَدْتُكُمْ عَلَى ذَلِكَ فَعَصَيْتُمُونِي، وَقَدْ كَتَبْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ كِتَابًا، وَشَرَطْنَا شُرُوطًا، وَأَعْطَيْنَا عَلَيْهَا عُهُودًا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: ٩١] . فَقَالَ حُرْقُوصٌ: ذَلِكَ ذَنْبٌ يَنْبَغِي أَنْ تَتُوبَ عَنْهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا هُوَ ذَنْبٌ وَلَكِنَّهُ عَجْزٌ عَنِ الرَّأْيِ، وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ. فَقَالَ زُرْعَةُ: يَا عَلِيُّ (لَئِنْ لَمْ تَدَعْ تَحْكِيمَ) الرِّجَالِ لَأُقَاتِلَنَّكَ، اطْلُبْ وَجْهَ اللَّهِ - تَعَالَى -. فَقَالَ عَلِيٌّ: بُؤْسًا لَكَ مَا أَشْقَاكَ! كَأَنِّي بِكَ قَتِيلًا تُسْفِي عَلَيْكَ الرِّيَاحُ! قَالَ: وَدِدْتُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ. فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ يُحَكِّمَانِ.
وَخَطَبَ عَلِيٌّ ذَاتَ يَوْمٍ، فَحَكَمَتِ الْمَحْكَمَةُ فِي جَوَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: اللَّهُ أَكْبَرُ، كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ! إِنْ سَكَتُوا غَمَمْنَاهُمْ، وَإِنْ تَكَلَّمُوا حَجَجْنَاهُمْ، وَإِنْ خَرَجُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ. فَوَثَبَ يَزِيدُ بْنُ عَاصِمٍ الْمُحَارِبِيُّ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرُ مُودَّعٍ رَبُّنَا وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ! اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ إِعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ فِي دِينِنَا، فَإِنَّ إِعْطَاءَ الدَّنِيَّةِ فِي الدِّينِ، إِدْهَانٌ فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَذُلٌّ رَاجِعٌ بِأَهْلِهِ إِلَى سَخَطِ اللَّهِ، يَا عَلِيُّ أَبِالْقَتْلِ تُخَوِّفُنَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ نَضْرِبَكُمْ بِهَا عَمَّا قَلِيلٍ غَيْرَ مُصْفَحَاتٍ، ثُمَّ لَتَعْلَمُ أَيَّنَا أَوْلَى بِهَا صِلِيَّا. ثُمَّ خَرَجَ هُوَ وَإِخْوَةٌ لَهُ ثَلَاثَةٌ، فَأُصِيبُوا مَعَ الْخَوَارِجِ بِالنَّهْرِ، وَأُصِيبَ أَحَدُهُمْ (بَعْدَ ذَلِكَ) بِالنُّخَيْلَةِ.
ثُمَّ خَطَبَ عَلِيٌّ يَوْمًا آخَرَ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ! ثُمَّ تَوَالَى عِدَّةُ رِجَالٍ يُحَكِّمُونَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: اللَّهُ أَكْبَرُ، كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ! أَمَا إِنَّ لَكَمَ عِنْدَنَا ثَلَاثًا مَا صَحِبْتُمُونَا: لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَهُ، وَلَا نَمْنَعُكُمُ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا، وَلَا نُقَاتِلُكُمْ حَتَّى تَبْدَأُونَا، إِنَّمَا فِيكُمْ أَمْرُ اللَّهِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ مِنَ الْخُطْبَةِ.
ثُمَّ إِنَّ الْخَوَارِجَ لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَاجْتَمَعُوا فِي مَنْزِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الرَّاسِبِيِّ، فَخَطَبَهُمْ، فَزَهَّدَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَرَهُمْ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، ثُمَّ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute