اخْرُجُوا بِنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا إِلَى بَعْضِ كُوَرِ الْجِبَالِ، أَوْ إِلَى بَعْضِ هَذِهِ الْمَدَائِنِ مُنْكِرِينَ لِهَذِهِ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ. فَقَالَ لَهُ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ: إِنَّ الْمَتَاعَ بِهَذِهِ الدُّنْيَا قَلِيلٌ، وَإِنَّ الْفِرَاقَ لَهَا وَشِيكٌ، فَلَا تَدْعُوَنَّكُمْ زِينَتُهَا وَبَهْجَتُهَا إِلَى الْمُقَامِ بِهَا، وَلَا تَلْفِتَنَّكُمْ عَنْ طَلَبِ الْحَقِّ وَإِنْكَارِ الظُّلْمِ، فَ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: ١٢٨] . فَقَالَ حَمْزَةُ بْنُ سِنَانٍ الْأَسَدِيُّ: يَا قَوْمُ إِنَّ الرَّأْيَ مَا رَأَيْتُمْ، فَوَلُّوا أَمْرَكُمْ رَجُلًا مِنْكُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنْ عِمَادٍ وَسِنَادٍ وَرَايَةٍ تَحِفُّونَ بِهَا وَتَرْجِعُونَ إِلَيْهَا. فَعَرَضُوهَا عَلَى زَيْدِ بْنِ حُصَيْنٍ الطَّائِيِّ فَأَبَى، وَعَرَضُوهَا عَلَى حُرْقُوصِ بْنِ زُهَيْرٍ فَأَبَى، وَعَلَى حَمْزَةَ بْنِ سِنَانٍ، وَشُرَيْحِ بْنِ أَوْفَى الْعَبْسِيِّ فَأَبَيَا، وَعَرَضُوهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، فَقَالَ: هَاتُوهَا، أَمَا وَاللَّهِ لَا آخُذُهَا رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَدَعُهَا فَرَقًا مِنَ الْمَوْتِ. فَبَايَعُوهُ لِعَشَرٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ. (وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ذُو الثَّفِنَاتِ) .
ثُمَّ اجْتَمَعُوا فِي مَنْزِلِ شُرَيْحِ بْنِ أَوْفَى الْعَبْسِيِّ، فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: اشْخُصُوا بِنَا إِلَى بَلْدَةٍ نَجْتَمِعُ فِيهَا لِإِنْقَاذِ حُكْمِ اللَّهِ، فَإِنَّكُمْ أَهْلُ الْحَقِّ. قَالَ شُرَيْحٌ: نَخْرُجُ إِلَى الْمَدَائِنِ فَنَنْزِلُهَا، وَنَأْخُذُهَا بِأَبْوَابِهَا، وَنُخْرِجُ مِنْهَا سُكَّانَهَا، وَنَبْعَثُ إِلَى إِخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَيَقْدَمُونَ عَلَيْنَا. فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حُصَيْنٍ: إِنَّكُمْ إِنْ خَرَجْتُمْ مُجْتَمَعَيْنِ اتُّبِعْتُمْ، وَلَكِنِ اخْرُجُوا وُحْدَانًا مُسْتَخْفِينَ، فَأَمَّا الْمَدَائِنُ فَإِنَّ بِهَا مَنْ يَمْنَعُكُمْ، وَلَكِنْ سِيرُوا حَتَّى نَنْزِلَ جِسْرَ النَّهْرَوَانِ، وَتُكَاتِبُوا إِخْوَانَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. قَالُوا: هَذَا الرَّأْيُ.
وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ إِلَى مَنْ بِالْبَصْرَةِ مِنْهُمْ، يُعْلِمُونَهُمْ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَيُحِثُّونَهُمْ عَلَى اللِّحَاقِ بِهِمْ، وَسَيَّرَ الْكِتَابَ إِلَيْهِمْ، فَأَجَابُوهُ أَنَّهُمْ عَلَى اللِّحَاقِ بِهِ.
فَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى الْمَسِيرِ تَعَبَّدُوا لَيْلَتَهُمْ، وَكَانَتْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَسَارُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute