فَدَكِيٍّ التَّمِيمِيَّ، فَعَلِمَ بِهِمُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَتْبَعَهُمْ أَبَا الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيَّ، فَلَحِقَهُمْ بِالْجِسْرِ الْأَكْبَرِ، فَتَوَافَقُوا حَتَّى حَجَزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، وَأَدْلَجَ مِسْعَرٌ بِأَصْحَابِهِ، وَأَقْبَلَ يَعْتَرِضُ النَّاسَ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ الْأَشْرَسُ بْنُ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَسَارَ حَتَّى لَحِقَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ بِالنَّهْرِ.
فَلَمَّا خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ وَهَرَبَ أَبُو مُوسَى عَلَى مَكَّةَ وَرَدَّ عَلِيٌّ ابْنَ عَبَّاسٍ إِلَى الْبَصْرَةِ، قَامَ فِي الْكُوفَةِ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ وَالْحِدْثَانِ الْجَلِيلِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ تُورِثُ الْحَسْرَةَ وَتُعْقِبُ النَّدَمَ، وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَفِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي، وَنَحَلْتُكُمْ رَأْيِي (لَوْ كَانَ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ) ، وَلَكِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا مَا أَرَدْتُمْ، فَكُنْتُ أَنَا وَأَنْتُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ:
أَمَرْتُهُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى ... فَلَمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إِلَّا ضُحَى الْغَدِ
إِلَّا أَنَّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتَرْتُمُوهَمَا حَكَمَيْنِ قَدْ نَبَذَا حُكْمَ الْقُرْآنِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمَا، وَأَحْيَيَا مَا أَمَاتَ الْقُرْآنُ، وَاتَّبَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، فَحَكَمَا بِغَيْرِ حُجَّةٍ بَيِّنَةٍ، وَلَا سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ، وَاخْتَلَفَا فِي حُكْمِهِمَا، وَكِلَاهُمَا لَمْ يَرْشُدْ، فَبِرَئَ اللَّهُ مِنْهُمَا وَرَسُولُهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَعِدُّوا وَتَأَهَّبُوا لِلْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ، وَأَصْبِحُوا فِي مُعَسْكَرِهِمْ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.
ثُمَّ نَزَلَ، وَكَتَبَ إِلَى الْخَوَارِجِ بِالنَّهْرِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، إِلَى زَيْدِ بْنِ حُصَيْنٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، وَمَنْ مَعَهُمَا مِنَ النَّاسِ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ ارْتَضَيْنَا حَكَمَيْنِ قَدْ خَالَفَا كِتَابَ اللَّهِ، وَاتَّبَعَا هَوَاهُمَا بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، فَلَمْ يَعْمَلَا بِالسُّنَّةِ، وَلَمْ يُنْفِذَا الْقُرْآنَ حَكَمًا، فَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُمَا وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، فَإِذَا بَلَغَكُمْ كِتَابِي هَذَا فَأَقْبِلُوا إِلَيْنَا، فَإِنَّا سَائِرُونَ إِلَى عَدُوِّنَا وَعَدُوِّكُمْ، وَنَحْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute