عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ الَّذِي كُنَّا عَلَيْهِ.
فَكَتَبُوا إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ لَمْ تَغْضَبْ لِرَبِّكَ، وَإِنَّمَا غَضِبْتَ لِنَفْسِكَ، فَإِنْ شَهِدْتَ عَلَى نَفْسِكَ بِالْكُفْرِ، وَاسْتَقْبَلْتَ التَّوْبَةَ، نَظَرْنَا فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، وَإِلَّا فَقَدْ نَبَذْنَاكَ عَلَى سَوَاءٍ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ.
فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهُمْ أَيِسَ مِنْهُمْ، وَرَأَى أَنْ يَدَعَهُمْ وَيَمْضِيَ بِالنَّاسِ حَتَّى يَلْقَى أَهْلَ الشَّامِ فُيَنَاجِزَهُمْ، فَقَامَ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الْجِهَادَ فِي اللَّهِ وَأَدْهَنَ فِي أَمْرِهِ، كَانَ عَلَى شَفَا هَلَكَةٍ، إِلَّا أَنْ يَتَدَارَكَهُ اللَّهُ بِنِعْمَتِهِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَقَاتِلُوا مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَحَاوَلَ أَنْ يُطْفِئَ نُورَ اللَّهِ، فَقَاتِلُوا الْخَاطِئِينَ الضَّالِّينَ الْقَاسِطِينَ الَّذِينَ لَيْسُوا بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَلَا فُقَهَاءَ فِي الدِّينِ، وَلَا عُلَمَاءَ فِي التَّأْوِيلِ، وَلَا لِهَذَا الْأَمْرِ بِأَهْلٍ فِي سَابِقَةِ الْإِسْلَامِ، وَاللَّهِ لَوْ وُلُّوا عَلَيْكُمْ لَعَمِلُوا فِيكُمْ بِأَعْمَالِ كِسْرَى وَهِرَقْلَ، تَيَسَّرُوا لِلْمَسِيرِ إِلَى عَدُوِّكُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ، وَقَدْ بَعَثْنَا إِلَى إِخْوَانِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لِيَقْدَمُوا عَلَيْكُمْ، فَإِذَا اجْتَمَعْتُمْ شَخَصْنَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ -، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
وَكَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا خَرَجْنَا إِلَى مُعَسْكَرِنَا بِالنُّخَيْلَةِ، وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى عَدُوِّنَا مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ، فَاشْخَصْإِلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَكَ رَسُولِي، وَأَقِمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ.
فَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْكِتَابَ عَلَى النَّاسِ، وَنَدَبَهُمْ مَعَ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، فَشَخَصَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، فَخَطَبَهُمْ وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ أَتَانِي كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَمَرْتُكُمْ بِالنَّفِيرِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَشْخَصْمِنْكُمْ إِلَيْهِ إِلَّا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَأَنْتُمْ سِتُّونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ سِوَى أَبْنَائِكُمْ وَعَبِيدِكُمْ! أَلَا انْفِرُوا إِلَيْهِ مَعَ جَارِيَةَ بْنِ قُدَامَةَ السَّعْدِيِّ، وَلَا يَجْعَلَنَّ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ سَبِيلًا، فَإِنِّي مُوقِعٌ بِكُلِّ مَنْ وَجَدْتُهُ مُتَخَلِّفًا عَنْ دَعْوَتِهِ، عَاصِيًا لِإِمَامِهِ، فَلَا يَلُومَنَّ رَجُلٌ إِلَّا نَفْسَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute