لَكُمْ، هُجْرًا! وَاللَّهِ مَا خَتَلْتُهُمْ عَنْ أُمُورِكِمْ، وَلَا أَخْفَيْتُ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ عَنْكُمْ، وَلَا أَوْطَأْتُكُمْ عَشْوَةً، وَلَا (دَنَّيْتُ لَكُمُ الضَّرَّاءَ) ، وَإِنْ كَانَ أَمْرُنَا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ ظَاهِرًا، فَأَجْمَعَ رَأْيُ مَلَأِكِمْ [عَلَى] أَنِ اخْتَارُوا رَجُلَيْنِ، فَأَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَنْ يَحْكُمَا بِمَا فِي الْقُرْآنِ وَلَا يَعْدُوَاهُ، فَتَاهَا، فَتَرَكَا الْحَقَّ وَهُمَا يُبْصِرَانِهِ، وَكَانَ الْجَوْرُ هَوَاهُمَا، وَالثِّقَةُ فِي أَيْدِينَا حِينَ خَالَفَا سَبِيلَ الْحَقِّ، وَأَتَيَا بِمَا لَا يُعْرَفُ، فَبَيَّنُوا لَنَا بِمَاذَا تَسْتَحِلُّونَ قِتَالَنَا وَالْخُرُوجَ عَنْ جَمَاعَتِنَا، وَتَضَعُونَ أَسْيَافَكُمْ عَلَى عَوَاتِقِكُمْ، ثُمَّ تَسْتَعْرِضُونَ النَّاسَ تَضْرِبُونَ رِقَابَهُمْ؟ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ، وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُمْ عَلَى هَذَا دَجَاجَةً لَعَظُمَ عِنْدَ اللَّهِ قَتْلُهَا! فَكَيْفَ بِالنَّفْسِ الَّتِي قَتْلُهَا عِنْدَ اللَّهِ حَرَامٌ؟
فَتَنَادَوْا: لَا تُخَاطِبُوهُمْ وَلَا تُكَلِّمُوهُمْ وَتَهَيَّأُوا لِلِقَاءِ اللَّهِ، (الرَّوَاحَ الرَّوَاحَ إِلَى الْجَنَّةِ! فَعَادَ عَلِيٌّ عَنْهُمْ) .
ثُمَّ إِنَّ الْخَوَارِجَ قَصَدُوا جِسْرَ النَّهْرِ، وَكَانُوا غَرْبَهُ، فَقَالَ لَعَلِيٍّ أَصْحَابُهُ: إِنَّهُمْ قَدْ عَبَرُوا النَّهْرَ. فَقَالَ: لَنْ يَعْبُرُوا. فَأَرْسَلُوا طَلِيعَةً، فَعَادَ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ عَبَرُوا النَّهْرَ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَطْفَةٌ مِنَ النَّهْرِ، فَلِخَوْفِ الطَّلِيعَةِ مِنْهُمْ لَمْ يَقْرَبْهُمْ، فَعَادَ فَقَالَ: إِنَّهُمْ قَدْ عَبَرُوا النَّهْرَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ مَا عَبَرُوهُ، وَإِنَّ مَصَارِعَهُمْ لَدُونَ الْجِسْرِ، وَوَاللَّهِ لَا يُقْتَلُ مِنْكُمْ عَشْرَةٌ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْهُمْ عَشْرَةٌ! وَتَقَدَّمَ عَلِيٌّ إِلَيْهِمْ فَرَآهُمْ عِنْدَ الْجِسْرِ لَمْ يَعْبُرُوهُ، وَكَانَ النَّاسُ قَدْ شَكُّوا فِي قَوْلِهِ، وَارْتَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ، فَلَمَّا رَأَوُا الْخَوَارِجَ لَمْ يَعْبُرُوا كَبَّرُوا وَأَخْبَرُوا عَلِيًّا بِحَالِهِمْ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ! ثُمَّ إِنَّهُ عَبَّأَ أَصْحَابَهُ، فَجَعَلَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ، أَوْ مَعْقِلَ بْنَ قَيْسٍ الرِّيَاحَيَّ، وَعَلَى الْخَيْلِ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ، وَعَلَى الرَّجَّالَةِ أَبَا قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ - وَهُمْ سَبْعُمِائَةٍ أَوْ ثَمَانُمِائَةٍ - قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَعَبَّأَتِ الْخَوَارِجُ فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ زَيْدَ بْنَ حُصَيْنٍ الطَّائِيَّ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ شُرَيْحَ بْنَ أَوْفَى الْعَبْسِيَّ، وَعَلَى خَيْلِهِمْ حَمْزَةَ بْنَ سِنَانٍ الْأَسَدِيَّ، وَعَلَى رَجَّالَتِهِمْ حُرْقُوصَ بْنَ زُهَيْرٍ السَّعْدِيَّ.
وَأَعْطَى عَلِيٌّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ رَايَةَ الْأَمَانِ، فَنَادَاهُمْ أَبُو أَيُّوبَ فَقَالَ: مَنْ جَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute