وَكَلَّتْ سُيُوفُنَا، وَنَصَلَتْ أَسِنَّةُ رِمَاحِنَا (وَعَادَ أَكْثَرُهَا قَصْدًا) ، فَارْجِعْ إِلَى مِصْرِنَا فَلْنَسْتَعِدَّ، وَلَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ فِي عُدَّتِنَا، فَإِنَّهُ أَقْوَى لَنَا عَلَى عَدُوِّنَا. وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كَلَامَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَأَقْبَلَ حَتَّى نَزَلَ النُّخَيْلَةَ، فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَلْزَمُوا عَسْكَرَهُمْ، وَيُوَطِّنُوا عَلَى الْجِهَادِ أَنْفُسَهُمْ، وَأَنْ يُقِلُّوا زِيَارَةَ أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ حَتَّى يَسِيرُوا إِلَى عَدُوِّهِمْ. فَأَقَامُوا فِيهِمْ أَيَّامًا ثُمَّ تَسَلَّلُوا مِنْ مُعَسْكَرِهِمْ فَدَخَلُوا إِلَّا رِجَالًا مِنْ وُجُوهِ النَّاسِ، وَتُرِكَ الْمُعَسْكَرُ خَالِيًا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ دَخَلَ الْكُوفَةَ وَانْكَسَرَ عَلَيْهِ رَأْيُهُ فِي الْمَسِيرِ وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا: أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَعِدُّوا لِلْمَسِيرِ إِلَى عَدُوِّكُمْ وَمَنْ فِي جِهَادِهِ الْقُرْبَةُ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَدَرْكُ الْوَسِيلَةِ عِنْدَهُ، حَيَارَى مِنَ الْحَقِّ جُفَاةٌ عَنِ الْكِتَابِ، يَعْمَهُونَ فِي طُغْيَانِهِمْ، فَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ وَرِبَاطِ الْخَيْلِ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ، وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا، وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا. فَلَمْ يَنْفِرُوا وَلَا تَيَسَّرُوا. فَتَرَكَهُمْ أَيَّامًا حَتَّى إِذَا أَيِسَ مِنْ أَنْ يَفْعَلُوا دَعَا رُؤَسَاءَهُمْ وَوُجُوهَهُمْ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ رَأْيِهِمْ، وَمَا الَّذِي يُبَطِّئُ بِهِمْ، فَمِنْهُمُ الْمُعْتَلُّ وَمِنْهُمُ الْمُتَكَرِّهُ، (وَأَقَلُّهُمْ مَنْ نَشِطَ) .
فَقَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: عِبَادَ اللَّهِ، مَا بَالُكُمْ إِذَا أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَنْفِرُوا {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} [التوبة: ٣٨] وَبِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ مِنَ الْعِزِّ خَلَفًا؟ وَكُلَّمَا نَادَيْتُكُمْ إِلَى الْجِهَادِ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ، كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي سَكْرَةٍ، وَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ وَأَنْتُمْ لَا تَعْقِلُونَ، فَكَأَنَّ أَبْصَارَكُمْ كُمْهٌ وَأَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ! لِلَّهِ أَنْتُمْ! مَا أَنْتُمْ إِلَّا أُسْدُ الشِّرَى فِي الدَّعَةِ، وَثَعَالِبُ رَوَّاغَةٌ حِينَ تَدْعَوْنَ إِلَى الْبَأْسِ. مَا أَنْتُمْ (لِي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اللَّيَالِي. مَا أَنْتُمْ) بِرَكْبٍ يُصَالُ بِهِ. لَعَمْرُ اللَّهِ لَبِئْسَ حُشَّاشُ الْحَرْبِ أَنْتُمْ! إِنَّكُمْ تُكَادُونَ وَلَا تَكِيدُونَ، وَتُتَنَقَّصُ أَطْرَافُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَتَحَاشَوْنَ، وَلَا يُنَامُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ سَاهُونَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقًّا، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيَّ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute