للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَدُوِّكَ، وَذُلَّ أَهْلِ الشِّقَاقِ عَلَيْكَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَهَمَّكَ يَا ابْنَ الْعَاصِ مَا أَهَمَّكَ! وَذَلِكَ أَنَّ عَمْرًا كَانَ صَالَحَ مُعَاوِيَةَ عَلَى قِتَالِ عَلِيٍّ عَلَى أَنَّ لَهُ مِصْرَ طُعْمَةً مَا بَقِيَ. وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ: أَصَابَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، فَمَا تَرَوْنَ؟ فَقَالُوا: مَا نَرَى إِلَّا مَا رَأَى عَمْرٌو. قَالَ: (فَكَيْفَ أَصْنَعُ) ؟ (فَإِنَّ عَمْرًا لَمْ يُفَسِّرْ كَيْفَ أَصْنَعُ) . فَقَالَ عَمْرٌو: أَرَى أَنْ تَبْعَثَ جَيْشًا كَثِيفًا، عَلَيْهِمْ رَجُلٌ حَازِمٌ صَابِرٌ صَارِمٌ، تَأْمَنْهُ وَتَثِقُ بِهِ، فَيَأْتِيَ مِصْرَ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهِ مَنْ كَانَ عَلَى مَثْلِ رَأْيِنَا فَيُظَاهِرَهُ عَلَى عَدُوِّنَا، فَإِنِ اجْتَمَعَ جُنْدُكَ وَمَنْ بِهَا عَلَى رَأْيِنَا رَجَوْتُ أَنْ يَنْصُرَكَ اللَّهُ.

قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَرَى أَنْ نُكَاتِبَ مَنْ بِهَا مِنْ شِيعَتِنَا، فَنُمَنِّيهِمْ وَنَأْمُرُهُمْ بِالثَّبَاتِ، وَنُكَاتِبُ مَنْ بِهَا مِنْ عَدُّونَا، فَنَدْعُوهُمْ إِلَى صُلْحِنَا، وَنُمَنِّيهِمْ شُكْرَنَا وَنُخَوِّفُهُمْ حَرْبَنَا، فَإِنْ كَانَ مَا أَرَدْنَا بِغَيْرِ قِتَالٍ فَذَاكَ الَّذِي أَرَدْنَا، وَإِلَّا كَانَ حَرْبُهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ. إِنَّكَ يَا ابْنَ الْعَاصِ بُورِكَ لَكَ فِي الشِّدَّةِ وَالْعَجَلَةِ، وَأَنَا بُورِكَ لِي فِي التُّؤَدَةِ. قَالَ عَمْرٌو: افْعَلْ مَا تَرَى فَمَا أَرَى أَمْرَنَا يَصِيرُ إِلَّا إِلَى الْحَرْبِ.

فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ، وَمُعَاوِيَةَ بْنَ حُدَيْجٍ السَّكُّونِيِّ، وَكَانَا قَدْ خَالَفَا عَلِيًّا، يَشْكُرُهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَيَحُثُّهُمَا عَلَى الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، وَيَعِدُهُمَا الْمُوَاسَاةَ فِي سُلْطَانِهِ، وَبَعَثَهُ مَعَ مَوْلَاهُ سُبَيْعٍ.

فَلَمَّا وَقَفَا عَلَيْهِ أَجَابَ مَسْلَمَةُ بْنُ مُخَلَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ ابْنِ حُدَيْجٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْأَمْرَ الَّذِي بَذَلْنَا لَهُ أَنْفُسَنَا وَابْتَعْنَا بِهِ أَمْرَ اللَّهِ أَمْرٌ نَرْجُو بِهِ ثَوَابَ رَبِّنَا، وَالنَّصْرَ عَلَى مَنْ خَالَفْنَا، وَتَعْجِيلَ النِّقْمَةِ عَلَى مَنْ سَعَى عَلَى إِمَامِنَا، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْمُوَاسَاةِ فِي سُلْطَانِكَ، فَتَاللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مَا لَهُ نَهَضْنَا، وَلَا إِيَّاهُ أَرَدْنَا، فَعَجِّلْ إِلَيْنَا بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ، فَإِنَّ عَدُوَّنَا قَدْ أَصْبَحُوا لَنَا هَائِبِينَ، فَإِنْ يَأْتِنَا مَدَدٌ يَفْتَحِ اللَّهُ عَلَيْكَ. وَالسَّلَامُ.

فَجَاءَهُ الْكِتَابُ وَهُوَ بِفِلَسْطِينَ، فَدَعَا أُولَئِكَ النَّفَرَ وَقَالَ لَهُمْ: مَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: نَرَى أَنْ تَبْعَثَ جُنْدًا.

فَأَمَرَ عَمْرَو بْنُ الْعَاصِ لِيَتَجَهَّزَ إِلَيْهَا، وَبَعَثَ مَعَهُ سِتَّةَ آلَافِ رَجُلٍ، وَوَصَّاهُ بِالتُّؤَدَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>