ذِكْرُ إِرْسَالِ مُعَاوِيَةَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْبَصْرَةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ بَعْدَ مَقْتَلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَاسْتِيلَاءِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ، سَيَّرَ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ جُلَّ أَهْلِهَا يَرَوْنَ رَأْيَنَا فِي عُثْمَانَ، وَقَدِ اقْتَتَلُوا فِي الطَّلَبِ بِدَمِهِ، فَهُمْ لِذَلِكَ حَنِقُونَ، يَوَدُّونَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ مَنْ يَجْمَعُهُمْ، وَيَنْهَضُ بِهِمْ فِي الطَّلَبِ بِثَأْرِهِمْ وَدَمِ إِمَامِهِمْ، فَانْزِلْ فِي مُضَرَ، وَتَوَدَّدِ الْأَزْدَ، فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ مَعَكَ، وَادْعُ رَبِيعَةَ، فَلَنْ يَنْحَرِفَ عَنْكَ أَحَدٌ سِوَاهُمْ، لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ تُرَابِيَّةٌ فَاحْذَرْهُمْ.
فَسَارَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ حَتَّى قَدِمَ الْبَصْرَةَ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ خَرَجَ إِلَى عَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ وَاسْتَخْلَفَ زِيَادَ بْنَ أَبِيهِ عَلَى الْبَصْرَةِ، فَلَمَّا وَصَلَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْبَصْرَةِ نَزَلَ فِي بَنِي تَمِيمٍ، فَأَتَاهُ الْعُثْمَانِيَّةُ مُسَلِّمِينَ عَلَيْهِ، وَحَضَرَهُ غَيْرُهُمْ، فَخَطَبَهُمْ وَقَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ إِمَامَكُمْ إِمَامُ الْهُدَى قُتِلَ مَظْلُومًا، قَتَلَهُ عَلِيٌّ، فَطَلَبْتُمْ بِدَمِهِ فَجَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا.
فَقَامَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ الْهِلَالِيُّ، وَكَانَ عَلَى شُرْطَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ مَا جِئْتِنَا بِهِ وَمَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ! أَتَيْتِنَا وَاللَّهِ بِمِثْلِ مَا أَتَانَا بِهِ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، أَتَيَانَا وَقَدْ بَايَعْنَا عَلِيًّا وَاسْتَقَامَتْ أُمُورُنَا، فَحَمَلَانَا عَلَى الْفُرْقَةِ حَتَّى ضَرَبَ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَنَحْنُ الْآنَ مُجْتَمِعُونَ عَلَى بَيْعَتِهِ، وَقَدْ أَقَالَ الْعَثْرَةَ، وَعَفَا عَنِ الْمُسِيءِ، أَفَتَأْمُرُنَا أَنْ نَنْتَضِيَ أَسْيَافَنَا، وَيَضْرِبَ بَعْضُنَا بَعْضًا لِيَكُونَ مُعَاوِيَةُ أَمِيرًا؟ وَاللَّهِ لَيَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ عَلِيٍّ خَيْرٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ (وَآلِ مُعَاوِيَةَ) ! فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ السُّلَمِيُّ فَقَالَ لِلضَّحَّاكِ: اسْكُتْ فَلَسْتَ بِأَهْلٍ أَنْ تَتَكَلَّمَ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَقَالَ: نَحْنُ أَنْصَارُكَ وَيَدُكَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُكَ فَاقْرَأْ كِتَابَكَ. فَأَخْرُجَ كِتَابَ مُعَاوِيَةَ إِلَيْهِمْ يُذَكِّرُهُمْ فِيهِ آثَارَ عُثْمَانَ فِيهِمْ، وَحُبَّهُ الْعَافِيَةَ، وَسَدَّهُ ثُغُورَهُمْ، وَيَذْكُرُ قَتْلَهَ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ، وَيَضْمَنُ أَنَّهُ يَعْمَلُ فِيهِمْ بِالسُّنَّةِ، وَيُعْطِيهِمْ عَطَاءَيْنِ فِي السَّنَةِ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَامَ الْأَحْنَفُ فَقَالَ: لَا نَاقَتِي فِي هَذَا وَلَا جَمَلِي. وَاعْتَزَلَ الْقَوْمَ. وَقَامَ عَمْرُو بْنُ مَرْحُومٍ الْعَبْدِيُّ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ الْزَمُوا طَاعَتَكُمْ وَجَمَاعَتَكُمْ، وَلَا تَنْكُثُوا بَيْعَتَكُمْ فَتَقَعَ بِكِمُ الْوَاقِعَةُ. وَكَانَ عَبَّاسُ بْنُ صُحَارٍ الْعَبْدِيُّ مُخَالِفًا لِقَوْمِهِ فِي حُبِّ عَلِيٍّ، فَقَامَ وَقَالَ: لَنَنْصُرَنَّكَ بِأَيْدِينَا وَأَلْسِنَتِنَا. فَقَالَ لَهُ الْمُثَنَّى بْنُ مُخَرِّبَةَ الْعَبْدِيُّ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَرْجِعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute