إِلَى مَكَانِكَ الَّذِي جِئْتِنَا مِنْهُ لِنُجَاهِدَنَّكَ بِأَسْيَافِنَا وَرِمَاحِنَا، وَلَا يَغُرَّنَّكَ هَذَا الَّذِي يَتَكَلَّمُ - يَعْنِي ابْنَ صُحَارٍ -.
فَقَالَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ لِصَبْرَةَ بْنِ شَيْمَانَ: أَنْتَ نَابٌ مِنْ أَنْيَابِ الْعَرَبِ فَانْصُرْنِي. فَقَالَ: لَوْ نَزَلْتَ فِي دَارِي لَنَصَرْتُكَ.
فَلَمَّا رَأَى زِيَادٌ ذَلِكَ خَافَ، فَاسْتَدْعَى حُضِيْنَ بْنَ الْمُنْذِرِ، وَمَالِكَ بْنَ مِسْمَعٍ فَقَالَ: أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَنْصَارُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَثِقَاتُهُ، وَقَدْ كَانَ مِنِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ مَا تَرَوْنَ، وَأَتَاهُ مَنْ أَتَاهُ فَامْنَعُونِي حَتَّى يَأْتِيَنِي أَمْرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ حُضَيْنَ بْنُ الْمُنْذِرِ: نَعَمْ. وَقَالَ مَالِكٌ وَكَانَ رَأْيُهُ مَائِلًا إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ: هَذَا أَمْرٌ لِي فِيهِ شُرَكَاءُ أَسْتَشِيرُ فِيهِ وَأَنْظُرُ. فَلَمَّا رَأَى زِيَادٌ تَثَاقُلَ مَالِكٍ خَافَ أَنْ تَخْتَلِفَ عَلَيْهِ رَبِيعَةُ، فَأَرْسَلَ إِلَى صَبْرَةَ بْنَ شَيْمَانَ الْحُدَّانِيِّ الْأَزْدِيِّ يَطْلُبُ أَنْ يُجِيرَهُ وَبَيْتَ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ: إِنْ حَمَلْتَهُ إِلَى دَارِي أَجَرْتُكُمَا. فَنَقَلَهُ إِلَى دَارِهِ بِالْحُدَّانِ، وَنَقَلَ الْمِنْبَرَ أَيْضًا، فَكَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بِمَسْجِدِ الْحُدَّانِ وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ. فَقَالَ زِيَادٌ لِجَابِرِ بْنِ وَهْبٍ الرَّاسِبِيِّ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنِّي لَا أَرَى ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ يَكُفُّ وَأَرَاهُ سَيُقَاتِلُكُمْ، وَلَا أَدْرِي مَا عِنْدَ أَصْحَابِكَ، فَانْظُرْ مَا عِنْدَهُمْ. فَلَمَّا صَلَّى زِيَادٌ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَقَالَ جَابِرٌ: يَا مَعْشَرَ الْأَزْدِ، إِنَّ تَمِيمًا تَزْعُمُ أَنَّهُمْ هُمُ النَّاسُ، وَأَنَّهُمْ أَصْبَرُ مِنْكُمْ عِنْدَ الْبَأْسِ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَسِيرُوا إِلَيْكُمْ، وَيَأْخُذُوا جَارَكُمْ وَيُخْرِجُوهُ قَسْرًا، فَكَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ وَقَدْ أَجَرْتُمُوهُ وَبَيْتَ مَالِ الْمُسْلِمِينَ! فَقَالَ صَبْرَةُ بْنُ شَيْمَانَ، وَكَانَ مُفَخَّمًا: إِنْ جَاءَ الْأَحْنَفُ جِئْتُ، وَإِنْ جَاءَ حُتَاتُهُمْ جِئْتُ، وَإِنْ جَاءَ شَبَابُهُمْ فَفِينَا شَبَابٌ.
وَكَتَبَ زِيَادٌ إِلَى عَلِيٍّ بِالْخَبَرِ، فَأَرْسَلَ عَلِيٌّ إِلَيْهِ أَعْيَنَ بْنَ ضُبَيْعَةَ الْمُجَاشِعِيَّ ثُمَّ التَّمِيمِيَّ لِيُفَرِّقَ قَوْمَهُ عَنِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَإِنِ امْتَنَعُوا قَاتَلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ عَصَاهُ، وَكَتَبَ إِلَى زِيَادٍ يُعْلِمْهُ ذَلِكَ. فَقَدِمَ أَعْيَنُ، فَأَتَى زِيَادًا، فَنَزَلَ عِنْدَهُ، وَجَمَعَ رِجَالًا وَأَتَى قَوْمَهُ، وَنَهَضَ إِلَى ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَمَنْ مَعَهُ وَدَعَاهُمْ، فَشَتَمُوهُ، وَوَاقَفَهُمْ نَهَارَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ، قِيلَ إِنَّهُمْ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَقِيلَ وَضَعَهُمُ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ عَلَى قَتْلِهِ، وَكَانَ مَعَهُمْ، فَقَتَلُوهُ غِيلَةً، فَلَمَّا قُتِلَ أَعْيَنُ أَرَادَ زِيَادٌ قِتَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ تَمِيمٌ إِلَى الْأَزْدِ: إِنَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute