للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ نَعْرِضْ لِجَارِكُمْ فَمَا تُرِيدُونَ إِلَى جَارِنَا؟ فَكَرِهَتِ الْأَزْدُ قِتَالَهُمْ وَقَالُوا: إِنْ عَرَضُوا لِجَارِنَا مَنَعْنَاهُ.

وَكَتَبَ زِيَادٌ إِلَى عَلِيٍّ يُخْبِرُهُ خَبَرَ أَعْيَنَ وَقَتْلِهِ، فَأَرْسَلَ عَلِيٌّ جَارِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ السَّعْدِيَّ، وَهُوَ مَنْ بَنِيَ سَعْدٍ مِنْ تَمِيمٍ، وَبَعَثَ مَعَهُ خَمْسِينَ رَجْلًا، وَقِيلَ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ تَمِيمٍ، وَكَتَبَ إِلَى زِيَادٍ يَأْمُرُهُ بِمَعُونَةِ جَارِيَةَ وَالْإِشَارَةِ عَلَيْهِ. فَقَدِمَ جَارِيَةُ الْبَصْرَةَ، فَحَذَّرَهُ زِيَادٌ مَا أَصَابَ أَعْيَنَ، فَقَامَ جَارِيَةُ فِي الْأَزْدِ فَجَزَاهُمْ خَيْرًا وَقَالَ: عَرَفْتُمُ الْحَقَّ إِذْ جَهِلَهُ غَيْرُكُمْ. وَقَرَأَ كِتَابَ عَلِيٍّ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُوَبِّخُهُمْ وَيَتَهَدَّدُهُمْ وَيُعَنِّفُهُمْ، وَيَتَوَعَّدُهُمْ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ وَالْإِيقَاعِ بِهِمْ وَقْعَةً تَكُونُ وَقْعَةُ الْجَمَلِ عِنْدَهَا هَبَاءً. فَقَالَ صَبْرَةُ بْنُ شَيْمَانَ: سَمْعًا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَطَاعَةً! نَحْنُ حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَهُ وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَهُ. وَقَالَ أَبُو صُفْرَةَ - وَالِدُ الْمُهَلَّبِ، - لِزِيَادٍ: لَوْ أَدْرَكْتُ يَوْمَ الْجَمَلِ مَا قَاتَلَ قَوْمِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا صُفْرَةَ كَانَ تُوُفِّي فِي مَسِيرِهِ إِلَى صِفِّينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَصَارَ جَارِيَةُ إِلَى قَوْمِهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ عَلِيٍّ وَوَعَدَهُمْ، فَأَجَابَهُ أَكْثَرُهُمْ، فَسَارَ إِلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ وَمَعَهُ الْأَزْدُ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، وَعَلَى خَيْلِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ السُّلَمِيُّ، فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً، وَأَقْبَلَ شَرِيكُ بْنُ الْأَعْوَرِ الْحَارِثِيُّ فَصَارَ مَعَ جَارِيَةَ، فَانْهَزَمَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ فَتَحَصَّنَ بِقَصْرِ سُنْبِيلَ وَمَعَهُ ابْنُ خَازِمٍ، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ عَجْلَى، وَكَانَتْ حَبَشِيَّةً، فَأَمَرَتْهُ بِالنُّزُولِ، فَأَبَى، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَتَنْزِلَنَّ أَوْ لَأَنْزِعَنَّ ثِيَابِي! فَنَزَلَ وَنَجَا، وَأَحْرَقَ جَارِيَةُ الْقَصْرَ بِمَنْ فِيهِ، فَهَلَكَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَسَبْعُونَ رَجُلًا مَعَهُ، وَعَادَ زِيَادٌ إِلَى الْقَصْرِ، وَكَانَ قَصْرُ سُنْبِيلَ لِفَارِسَ قَدِيمًا، (وَصَارَ لِسْنُبِيلَ السَّعْدِيِّ، وَحَوْلَهُ خَنْدَقٌ) . وَكَانَ فِيمَنِ احْتَرَقَ دَرَاعُ بْنُ بَدْرٍ أَخُو حَارِثَةَ بْنِ بَدْرٍ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَرَنْدَسِ:

رَدَدْنَا زِيَادًا إِلَى دَارِهِ ... وَجَارُ تَمِيمٍ دُخَانًا ذَهَبْ

لَحَى اللَّهُ قَوْمًا شَوَوْا جَارَهُمْ ... وَلَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ حَرَّ اللَّهَبْ

<<  <  ج: ص:  >  >>