للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا لَا يَرَى ذَلِكَ الرَّأْيَ وَلَا يَتْرُكُ مِنْهَا شَيْئًا. فَهَرَبَ مَصْقَلَةُ مِنْ لَيْلَتِهِ فَلَحِقَ بِمُعَاوِيَةَ، وَبَلَغَ عَلِيًّا ذَلِكَ فَقَالَ: مَا لَهُ تَرَّحَهُ اللَّهُ، فَعَلَ فِعْلَ السَّيِّدِ، وَفَرَّ فِرَارَ الْعَبْدِ، وَخَانَ خِيَانَةَ الْفَاجِرِ! أَمَا إِنَّهُ لَوْ أَقَامَ فَعَجَزَ مَا زِدْنَا عَلَى حَبْسِهِ، فَإِنْ وَجَدْنَا لَهُ شَيْئًا أَخَذْنَاهُ وَإِلَّا تَرَكْنَاهُ.

ثُمَّ سَارَ عَلِيٌّ إِلَى دَارِهِ فَهَدَمَهَا، وَأَجَازَ عِتْقَ السَّبْيِ وَقَالَ: أَعْتَقَهُمْ مُبْتَاعُهُمْ وَصَارَتْ أَثْمَانُهُمْ دَيْنًا عَلَى مُعْتِقِهِمْ.

وَكَانَ أَخُوهُ نُعَيْمُ بْنُ هُبَيْرَةَ شِيعَةً لَعَلِيٍّ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَصْقَلَةُ مِنَ الشَّامِ مَعَ رَجُلٍ مِنْ نَصَارَى تَغْلِبَ اسْمُهُ حُلْوَانُ يَقُولُ لَهُ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ وَعَدَكَ الْإِمَارَةَ وَالْكَرَامَةَ، فَأَقْبِلْ سَاعَةَ يَلْقَاكَ رَسُولِي، وَالسَّلَامُ. فَأَخَذَهُ مَالِكُ بْنُ كَعْبٍ الْأَرْحَبِيُّ فَسَرَّحَهُ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَطَعَ يَدَهُ، فَمَاتَ، وَكَتَبَ نُعَيْمٌ إِلَى مَصْقَلَةَ يَقُولُ:

لَا تَرْمِيَنَّ هَدَاكَ اللَّهُ مُعْتَرِضًا ... بِالظَّنِّ مِنْكَ فَمَا بَالِي وَحُلْوَانَا

ذَاكَ الْحَرِيصُ عَلَى مَا نَالَ مِنْ طَمَعٍ ... وَهُوَ الْبَعِيدُ فَلَا يَحْزُنْكَ إِنْ خَانَا

مَاذَا أَرَدْتَ إِلَى إِرْسَالِهِ سَفَهًا ... تَرْجُو سِقَاطَ امْرِئٍ لَمْ يُلْفَ وَسْنَانَا

قَدْ كُنْتَ فِي مَنْظَرٍ عَنْ ذَا وَمُسْتَمَعٍ ... تَحْمِي الْعِرَاقَ وَتُدْعَى خَيْرَ شَيْبَانَا

حَتَّى تَقَحَّمْتَ أَمْرًا كُنْتَ تَكْرَهُهُ ... لِلرَّاكِبِينَ لَهُ سِرًّا وَإِعْلَانَا

عَرَّضْتَهُ لِعَلِيٍّ إِنَّهُ أَسَدٌ ... يَمْشِي الْعِرَضْنَةَ مِنْ آسَادِ خَفَّانَا

لَوْ كُنْتَ أَدَّيْتَ مَالَ الْقَوْمِ مُصْطَبِرًا ... لِلْحَقِّ أَحْيَيْتَ أَحْيَانَا وَمَوْتَانَا

لَكِنْ لَحِقْتَ بِأَهْلِ الشَّامِ مُلْتَمِسًا ... فَضْلَ ابْنِ هِنْدٍ وَذَاكَ الرَّأْيُ أَشْجَانَا

فَالْيَوْمَ تَقْرَعُ سِنَّ الْعَجْزِ مِنْ نَدَمٍ ... مَاذَا تَقُولُ وَقَدْ كَانَ الَّذِي كَانَا

فَالْيَوْمَ تُبْغِضُكَ الْأَحْيَاءُ قَاطِبَةً ... لَمْ يَرْفَعِ اللَّهُ بِالْبَغْضَاءِ إِنْسَانَا

فَلَمَّا وَقَعَ الْكِتَابُ إِلَيْهِ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، وَأَتَاهُ التَّغْلِبِيُّونَ فَطَلَبُوا مِنْهُ دِيَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>