للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النُّعْمَانَ بْنَ صَهْبَانَ الرَّاسِبِيَّ بَصُرَ بِالْخِرِّيتِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَطَعَنَهُ، فَصُرِعَ عَنْ دَابَّتِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَقَتَلَهُ النُّعْمَانُ، وَقُتِلَ مَعَهُ فِي الْمَعْرَكَةِ سَبْعُونَ وَمِائَةُ رَجُلٍ، وَذَهَبَ الْبَاقُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَسَبَى مَعْقِلٌ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ حَرِيمِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ، وَأَخَذَ رِجَالًا كَثِيرًا، وَأَمَّا مَنْ كَانَ ارْتَدَّ فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ فَرَجَعُوا، فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ وَسَبِيلَ عِيَالِهِمْ، إِلَّا شَيْخًا كَبِيرًا نَصْرَانِيًّا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ الرُّمَاحِسُ لَمْ يُسْلِمْ فَقَتَلَهُ، وَجَمَعَ مَنْ مَنَعَ الصَّدَقَةَ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَةَ عَامَيْنِ، وَأَمَّا النَّصَارَى وَعِيَالُهُمْ فَاحْتَمَلَهُمْ مُقْبِلًا بِهِمْ، وَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ يُشَيِّعُونَهُمْ، فَلَمَّا وَدَّعُوهُمْ بَكَى الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى رَحِمَهُمُ النَّاسُ.

وَكَتَبَ مَعْقِلٌ إِلَى عَلِيٍّ بِالْفَتْحِ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِمْ حَتَّى مَرَّ عَلَى مَصْقَلَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ الشَّيْبَانِيِّ، وَهُوَ عَامِلُ عَلِيٍّ عَلَى أَرْدَشِيرَخُرَّهْ، وَهُمْ خَمْسُمِائَةِ إِنْسَانٍ، فَبَكَى النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَصَاحَ الرِّجَالُ: يَا أَبَا الْفَضْلِ! يَا حَامِيَ الرِّجَالِ (وَمَأْوَى الْمُعْضَبِ) ، وَفَكَّاكَ الْعُنَاةِ، امْنُنْ عَلَيْنَا وَاشْتَرِنَا وَأَعْتِقْنَا! فَقَالَ مَصْقَلَةُ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَأَتَصَدَّقَنَّ عَلَيْكُمْ! إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ. فَبَلَغَ قَوْلُهُ مَعْقِلًا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّهُ قَالَهَا تَوَجُّعًا عَلَيْهِمْ وَإِزْرَاءً عَلَيْنَا لَضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَلَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَفَانِي تَمِيمٍ وَبَكْرٍ. ثُمَّ إِنَّ مَصْقَلَةَ اشْتَرَاهُمْ مِنْ مَعْقِلٍ بِخَمْسِمِائَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: عَجِّلِ الْمَالَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: أَنَا أَبْعَثُ الْآنَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ.

وَأَقْبَلَ مَعْقِلٌ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْهُ، فَاسْتَحْسَنَهُ، وَبَلَغَ عَلِيًّا أَنَّ مَصْقَلَةَ أَعْتَقَ الْأَسْرَى، وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ أَنْ يُعِينُوهُ بِشَيْءٍ، فَقَالَ: مَا أَظُنُّ مَصْقَلَةَ إِلَّا قَدْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً سَتَرَوْنَهُ عَنْ قَرِيبٍ مِنْهَا مُبَلَّدًا. وَكَتَبَ إِلَيْهِ يَطْلُبُ مِنْهُ الْمَالَ أَوْ يَحْضُرُ عِنْدَهُ، فَحَضَرَ عِنْدَهُ وَحَمَلَ مِنَ الْمَالِ مِائَتَيْ أَلْفٍ.

قَالَ ذُهْلُ بْنُ الْحَارِثِ: فَاسْتَدْعَانِي لَيْلَةً فَطَعِمْنَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَسْأَلُنِي هَذَا الْمَالَ، وَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَوْ شِئْتَ مَا مَضَتْ جُمُعَةٌ حَتَّى تَحْمِلَهُ. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لِأُحَمِّلَهَا قَوْمِي، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ ابْنُ هِنْدٍ مَا طَالَبَنِي بِهَا، وَلَوْ كَانَ ابْنُ عَفَّانَ لَوَهَبَهَا لِي، أَلَمْ تَرَهُ أَطْعَمَ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ خَرَاجِ أَذْرَبَيْجَانَ مِائَةَ أَلْفٍ؟ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>