فَلَمَّا قُبِضَ بَعَثَ الْحَسَنُ إِلَى ابْنِ مُلْجَمٍ فَأَحْضَرَهُ، فَقَالَ لِلْحَسَنِ: هَلْ لَكَ فِي خَصْلَةٍ؟ إِنِّي وَاللَّهِ قَدْ أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْدًا أَنْ لَا أُعَاهِدَ عَهْدًا إِلَّا وَفَيْتُ بِهِ، وَإِنِّي عَاهَدْتُ اللَّهَ عِنْدَ الْحَطِيمِ أَنْ أَقْتُلَ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ، أَوْ أَمُوتَ دُونَهُمَا، فَإِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَلَكَ اللَّهُ عَلَيَّ إِنْ لَمْ أَقْتُلْهُ أَوْ قَتَلْتُهُ ثُمَّ بَقِيتُ أَنْ آتِيَكَ حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِكَ. فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى تُعَايِنَ النَّارَ. ثُمَّ قَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَهُ النَّاسُ فَأَدْرَجُوهُ فِي بَوَارِيَّ وَأَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ.
قَالَ عَمْرُو بْنُ الْأَصَمِّ: قُلْتُ لِلْحُسْنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ هَذِهِ الشِّيعَةَ تَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا مَبْعُوثٌ قَبْلَ الْقِيَامَةِ! فَقَالَ: كَذِبَ وَاللَّهِ هَؤُلَاءِ الشِّيعَةُ، لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَبْعُوثٌ قَبْلَ الْقِيَامَةِ مَا زَوَّجْنَا نِسَاءَهُ، وَلَا قَسَّمْنَا مَالَهُ. أَمَّا قَوْلُهُ: هَذِهِ الشِّيعَةُ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَعْنِي طَائِفَةً مِنْهَا، فَإِنَّ كُلَّ شِيعَةٍ لَا تَقُولُ هَذَا، إِنَّمَا تَقُولُهُ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْهُمْ، وَمِنْ مَشْهُورِي هَذِهِ الطَّائِفَةِ: جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ، وَقَدِ انْقَرَضَ الْقَائِلُونَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ فِيمَا نَعْلَمُهُ.
بَجَرَةَ: بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْجِيمِ. (وَالْبُرَكِ: بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ كَافٌ) .
وَأَمَّا الْبُرَكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ قَعَدَ لِمُعَاوِيَةَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي ضُرِبَ فِيهَا عَلِيٌّ، فَلَمَّا خَرَجَ مُعَاوِيَةُ لِيُصَلِّيَ الْغَدَاةَ، شَدَّ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ، فَوَقَعَ السَّيْفُ فِي أَلْيَتِهِ، فَأُخِذَ، فَقَالَ: إِنْ عِنْدِي خَبَرًا أُسِرُّكَ بِهِ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ فَنَافِعِي ذَلِكَ [عِنْدَكَ] ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّ أَخًا لِي قَتَلَ عَلِيًّا هَذِهِ اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَلَعَلَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: بَلَى، إِنَّ عَلِيًّا لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَحْرُسُهُ. فَأَمَرَ بِهِ مُعَاوِيَةُ فَقُتِلَ.
وَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى السَّاعِدِيِّ، وَكَانَ طَبِيبًا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ: اخْتَرْ إِمَّا أَنْ أُحْمِيَ حَدِيدَةً فَأَضَعُهَا مَوْضِعَ السَّيْفِ، وَإِمَّا أَنْ أَسْقِيَكَ شَرْبَةً تَقْطَعُ مِنْكَ الْوَلَدَ وَتَبْرَأُ مِنْهَا، فَإِنَّ ضَرْبَتَكَ مَسْمُومَةٌ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمَّا النَّارُ فَلَا صَبْرَ لِي عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِنَّ يَزِيدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute