إِنَّنِي قَدْ رَاسَلْتُ مُعَاوِيَةَ فِي الصُّلْحِ:
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ:
(أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تُصَدِّقَ أُحْدُوثَةَ مُعَاوِيَةَ وَتُكَذِّبَ أُحْدُوثَةَ أَبِيكَ! فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ) : اسْكُتْ، أَنَا أَعْلَمُ بِالْأَمْرِ مِنْكَ.
فَلَمَّا انْتَهَى كِتَابُ الْحَسَنِ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَمْسَكَهُ، وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ إِلَى الْحَسَنِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ وَمَعَهُمَا صَحِيفَةٌ بَيْضَاءُ مَخْتُومٌ عَلَى أَسْفَلِهَا، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنِ اشْتَرِطْ فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي خَتَمْتُ أَسْفَلَهَا مَا شِئْتَ فَهُوَ لَكَ.
فَلَمَّا أَتَتِ الصَّحِيفَةُ إِلَى الْحَسَنِ اشْتَرَطَ أَضْعَافَ الشُّرُوطِ الَّتِي سَأَلَ مُعَاوِيَةَ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَمْسَكَهَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا سَلَّمَ الْحَسَنُ الْأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ طَلَبَ أَنْ يُعْطِيَهُ الشُّرُوطَ الَّتِي فِي الصَّحِيفَةِ الَّتِي خَتَمَ عَلَيْهَا مُعَاوِيَةُ، فَأَبَى ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ لَهُ: قَدْ أَعْطَيْتُكَ مَا كُنْتَ تَطْلُبُ.
فَلَمَّا اصْطَلَحَا قَامَ الْحَسَنُ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ إِنَّهُ سَخِيٌّ بِنَفْسِي عَنْكُمْ ثَلَاثٌ: قَتْلُكُمْ أَبِي، وَطَعْنُكُمْ إِيَّايَ، وَانْتِهَابُكُمْ مَتَاعِي.
وَكَانَ الَّذِي طَلَبَ الْحَسَنُ مِنْ مُعَاوِيَةَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا فِي بَيْتِ مَالِ الْكُوفَةِ، وَمَبْلَغُهُ خَمْسَةُ آلَافِ أَلْفٍ، وَخَرَاجَ دَارَابَجِرْدَ مِنْ فَارِسَ، وَأَنْ لَا يَشْتُمَ عَلِيًّا، فَلَمْ يُجِبْهُ عَنِ الْكَفِّ عَنْ شَتْمِ عَلِيٍّ، فَطَلَبَ أَنْ لَا يَشْتُمَ وَهُوَ يَسْمَعُ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ يَفِ لَهُ بِهِ أَيْضًا، وَأَمَّا خَرَاجُ دَارَابَجِرْدَ فَإِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ مَنَعُوهُ مِنْهُ وَقَالُوا: هُوَ فَيْئُنَا لَا نُعْطِيهِ أَحَدًا، وَكَانَ مَنْعُهُمْ بِأَمْرِ مُعَاوِيَةَ أَيْضًا.
وَتَسَلَّمَ مُعَاوِيَةُ الْأَمْرَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقِيلَ: فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَقِيلَ: فِي جُمَادَى الْأُولَى، وَقِيلَ: إِنَّمَا سَلَّمَ الْحَسَنُ الْأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ لِأَنَّهُ لَمَّا رَاسَلَهُ مُعَاوِيَةُ فِي تَسْلِيمِ الْخِلَافَةِ إِلَيْهِ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute