فَأَقَامُوا بِهَا حَتَّى بَلَغَهُمْ مَقْتَلُ عَلِيٍّ، فَدَعَا أَصْحَابَهُ وَكَانُوا بِضْعَةَ عَشَرَ، أَحَدُهُمْ سَالِمُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَبْسِيُّ، فَأَعْلَمَهُمْ بِقَتْلِ عَلِيٍّ، فَقَالَ سَالِمٌ:
لَا شُلَّتْ يَمِينٌ عَلَتْ قَذَالَهُ بِالسَّيْفِ! وَحَمِدُوا اللَّهَ عَلَى قَتْلِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا رَضِيَ عَنْهُمْ. ثُمَّ إِنَّ سَالِمًا رَجَعَ عَنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَلُحَ، وَدَعَاهُمْ حَيَّانُ إِلَى الْخُرُوجِ وَمُقَاتَلَةِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، فَأَقْبَلُوا إِلَى الْكُوفَةِ فَأَقَامُوا بِهَا حَتَّى قَدِمَهَا مُعَاوِيَةُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْكُوفَةِ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَأَحَبَّ الْعَافِيَةَ وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ، وَكَانَ يُؤْتَى فَيُقَالُ لَهُ:
إِنَّ فُلَانًا يَرَى رَأْيَ الشِّيعَةِ وَفُلَانًا يَرَى رَأْيَ الْخَوَارِجِ، فَيَقُولُ: قَضَى اللَّهُ أَنْ لَا يَزَالُوا مُخْتَلِفِينَ وَسَيَحْكُمُ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ. فَأَمِنَهُ النَّاسُ.
وَكَانَتِ الْخَوَارِجُ يَلْقَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَتَذَاكَرُونَ مَكَانَ إِخْوَانِهِمْ بِالنَّهْرِ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى ثَلَاثَةِ نَفَرٍ: عَلَى الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ عُلِّفَةَ التَّيْمِيِّ مِنْ تَيْمِ الرِّبَابِ، وَعَلَى مُعَاذِ بْنِ جُوَيْنٍ الطَّائِيِّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ زِيدِ بْنِ حُصَيْنٍ الَّذِي قُتِلَ يَوْمَ النَّهْرِ، وَعَلَى حَيَّانَ بْنِ ظَبْيَانَ السُّلَمِيِّ، وَاجْتَمَعُوا فِي أَرْبَعِمِائَةٍ فَتَشَاوَرُوا فِيمَنْ يُوَلُّونَ عَلَيْهِمْ، فَكُلُّهُمْ دَفَعَ الْإِمَارَةَ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ اتَّفَقُوا فَوَلَّوُا الْمُسْتَوْرِدَ وَبَايَعُوهُ، وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَاتَّعَدُوا لِلْخُرُوجِ وَاسْتَعَدُّوا، وَكَانَ خُرُوجُهُمْ غُرَّةَ شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ.
(عُلِّفَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ) .
ذِكْرُ قُدُومِ زِيَادٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قَدِمَ زِيَادٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ [مِنْ فَارِسَ] .
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ زِيَادًا كَانَ قَدِ اسْتَوْدَعَ مَالَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَلِي مَالَهُ بِالْبَصْرَةِ، وَبَلَغَ مُعَاوِيَةَ ذَلِكَ فَبَعَثَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ لِيَنْظُرَ فِي أَمْوَالِ زِيَادٍ، فَأَخَذَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانَ أَبُوكَ قَدْ أَسَاءَ إِلَيَّ لَقَدْ أَحْسَنَ عَمُّكَ، يَعْنِي زِيَادًا. وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَنْ عَذِّبْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَرَادَ أَنْ يُعْذَرَ، وَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: احْتَفِظْ بِمَا فِي يَدَيْكَ.
وَأَلْقَى عَلَى وَجْهِهِ حَرِيرَةً وَنَضَحَهَا بِالْمَاءِ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ خَلَّاهُ وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنِّي عَذَّبْتُهُ فَلَمْ أُصِبْ عِنْدَهُ شَيْئًا. وَحَفِظَ لِزِيَادٍ يَدَهُ عِنْدَهُ. ثُمَّ دَخَلَ الْمُغِيرَةُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ حِينَ رَآهُ:
إِنَّمَا مَوْضِعُ سِرِّ الْمَرْءِ إِنْ بَاحَ بِالسِّرِّ أَخُوهُ الْمُنْتَصِحْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute