فَإِذَا بُحْتَ بِسِرٍّ فَإِلَى نَاصِحٍ يَسْتُرُهُ أَوْ لَا تَبُحْ
فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ تَسْتَوْدِعْنِي تَسْتَوْدِعْ نَاصِحًا مُشْفِقًا، وَمَا ذَلِكَ؟ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: ذَكَرْتُ زِيَادًا وَاعْتِصَامَهُ بِفَارِسَ فَلَمْ أَنَمْ لَيْلَتِي. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: مَا زِيَادٌ هُنَاكَ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: دَاهِيَةُ الْعَرَبِ مَعَهُ أَمْوَالُ فَارِسَ يُدَبِّرُ الْحِيَلَ، مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يُبَايِعَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ أَعَادَ [عَلَيَّ] الْحَرْبَ جَذَعَةً، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: أَتَأْذَنُ لِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي إِتْيَانِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأْتِهِ وَتَلَطَّفْ لَهُ.
فَأَتَاهُ الْمُغِيرَةُ وَقَالَ لَهُ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ اسْتَخَفَّهُ الْوَجَلُ حَتَّى بَعَثَنِي إِلَيْكَ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ غَيْرُ الْحَسَنِ، وَقَدْ بَايَعَ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ التَّوْطِينِ فَيَسْتَغْنِي مُعَاوِيَةُ عَنْكَ. قَالَ: أَشِرْ عَلَيَّ (وَارْمِ الْغَرَضَ الْأَقْصَى) ، فَإِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ:
فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ: (أَرَى أَنْ تَصِلَ حَبْلَكَ بِحَبْلِهِ وَتَشْخَصَ إِلَيْهِ، وَيَقْضِي اللَّهُ. وَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بِأَمَانِهِ بَعْدَ عَوْدِ الْمُغِيرَةِ عَنْهُ) ، فَخَرَجَ زِيَادٌ مِنْ فَارِسَ نَحْوَ مُعَاوِيَةَ وَمَعَهُ الْمِنْجَابُ بْنُ رَاشِدٍ الضَّبِّيُّ وَحَارِثَةُ بْنُ بَدْرٍ الْغُدَانِيُّ.
وَسَرَّحَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَازِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَى فَارِسَ وَقَالَ: لَعَلَّكَ تَلْقَى زِيَادًا فِي طَرِيقِكَ فَتَأْخُذُهُ. فَسَارَ ابْنُ خَازِمٍ، فَلَقِيَ زِيَادًا بِأَرَّجَانَ، فَأَخَذَهُ بِعِنَانِهِ وَقَالَ: انْزِلْ يَا زِيَادُ. فَقَالَ لَهُ الْمِنْجَابُ: تَنَحَّ يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ وَإِلَّا عَلَّقْتُ يَدَكَ بِالْعِنَانِ. وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ مُنَازَعَةٌ. فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ: قَدْ أَتَانِي كِتَابُ مُعَاوِيَةَ وَأَمَانُهُ. فَتَرَكَهُ ابْنُ خَازِمٍ، وَقَدِمَ زِيَادٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَسَأَلَهُ عَنْ أَمْوَالِ فَارِسَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا حَمَلَ مِنْهَا إِلَى عَلِيٍّ وَبِمَا أَنْفَقَ مِنْهَا فِي الْوُجُوهِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ وَمَا بَقِيَ عِنْدَهُ وَأَنَّهُ مُودَعٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَصَدَّقَهُ مُعَاوِيَةُ فِيمَا أَنْفَقَ وَفِيمَا بَقِيَ عِنْدَهُ وَقَبَضَهُ مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute