هَارُونَ، فَكَانَ مِنْ مَوْلِدِ مُوسَى إِلَى أَنْ أُخْرِجَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ ثَمَانُونَ سَنَةً. ثُمَّ سَارَ إِلَى التِّيهِ بَعْدَ أَنْ مَضَى وَعَبَرَ الْبَحَرَ، وَكَانَ مُقَامُهُمْ هُنَالِكَ إِلَى أَنْ خَرَجُوا مَعَ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَكَانَ مَا بَيْنَ مَوْلِدِ مُوسَى إِلَى وَفَاتِهِ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَبَضَ يُوسُفَ وَهَلَكَ الْمَلِكُ الَّذِي كَانَ مَعَهُ وَتَوَارَثَتِ الْفَرَاعِنَةُ مُلْكَ مِصْرَ وَنَشَرَ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَزَلْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَحْتَ يَدِ الْفَرَاعِنَةِ وَهُمْ عَلَى بَقَايَا مِنْ دِينِهِمْ مِمَّا كَانَ يُوسُفُ، وَيَعْقُوبُ، وَإِسْحَاقُ، وَإِبْرَاهِيمُ شَرَعُوا فِيهِمْ مِنَ الْإِسْلَامِ حَتَّى كَانَ فِرْعَوْنُ مُوسَى، وَكَانَ أَعْتَاهُمْ عَلَى اللَّهِ وَأَعْظَمَهُمْ قَوْلًا وَأَطْوَلَهُمْ عُمُرًا، وَاسْمُهُ فِيمَا ذُكِرَ الْوَلِيدُ بْنُ مُصْعَبٍ، وَكَانَ سَيِّئَ الْمَلَكَةِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ يُعَذِّبُهُمْ وَيَجْعَلُهُمْ خَوَلًا وَيَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ.
فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَسْتَنْقِذَهُمْ بَلَغَ مُوسَى الْأَشُدَّ وَأُعْطِيَ الرِّسَالَةَ، وَكَانَ شَأْنُ فِرْعَوْنَ قَبْلَ وِلَادَةِ مُوسَى أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ نَارًا أَقْبَلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى اشْتَمَلَتْ عَلَى بُيُوتِ مِصْرَ فَأَحْرَقَتِ الْقِبْطَ وَتَرَكَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَخْرَبَتْ بُيُوتَ مِصْرَ، فَدَعَا السَّحَرَةَ، وَالْحُزَاةَ، وَالْكَهَنَةَ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ رُؤْيَاهُ، فَقَالُوا: يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ، يَعْنُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، الَّذِي جَاءَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْهُ، رَجُلٌ يَكُونُ عَلَى وَجْهِهِ هَلَاكُ مِصْرَ، فَأَمَرَ أَنْ لَا يُولَدَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَوْلُودٌ إِلَّا ذُبِحَ وَيُتْرَكَ الْجَوَارِي.
وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا تَقَارَبَ زَمَانُ مُوسَى أَتَى مُنَجِّمُو فِرْعَوْنَ وَحُزَاتُهُ إِلَيْهِ فَقَالُوا: اعْلَمْ أَنَّا نَجِدُ فِي عِلْمِنَا أَنَّ مَوْلُودًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُهُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ يَسْلُبُكَ مُلْكَكَ وَيَغْلِبُكَ عَلَى سُلْطَانِكَ، وَيُبَدِّلُ دِينَكَ. فَأَمَرَ بِقَتْلِ كُلِّ مَوْلُودٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَقِيلَ: بَلْ تَذَاكَرَ فِرْعَوْنُ وَجُلَسَاؤُهُ مَعًا مَا وَعَدَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ أَنْبِيَاءَ وَمُلُوكًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيَنْتَظِرُونَ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانُوا يَظُنُّونَهُ يُوسُفَ بْنَ يَعْقُوبَ، فَلَمَّا هَلَكَ قَالُوا: لَيْسَ هَكَذَا وَعْدُ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ. فَقَالَ فِرْعَوْنُ: كَيْفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute